أبعد زوايا البوسنة والهرسك: سحر الجبال والقرى المنسية

  • تاريخ النشر: الأحد، 20 يوليو 2025 زمن القراءة: دقيقتين قراءة
أبعد زوايا البوسنة والهرسك: سحر الجبال والقرى المنسية

رغم أن أغلب الزوار يتركّزون في العاصمة سراييفو أو مدينة موستار الشهيرة بجسرها القديم، إلا أن أبعد زوايا البوسنة والهرسك تخفي وراء تضاريسها الجبلية ووديانها العميقة كنوزًا من الجمال الطبيعي والثقافي لا يعرفها إلا القليلون. في هذه المناطق النائية، تتجلى روح البلاد الأصيلة، حيث تمتزج الطبيعة البكر مع القرى الهادئة والعادات الريفية المتجذّرة، بعيدًا عن صخب المدن السياحية المعروفة. استكشاف تلك الزوايا هو رحلة إلى قلب البوسنة العميق، حيث يلتقي الزائر بالضيافة الحقيقية والمناظر الخلابة التي لم تفسدها الحداثة.

قرى جبلية معلقة بين الضباب والأساطير

في عمق جبال ديناريك، تقع قرى مثل لوكومير، التي تُعد من أعلى التجمعات السكانية في البلاد، وتتميز ببيوتها الحجرية ذات الأسطح الخشبية وموقعها فوق منحدرات شاهقة تمنح إطلالات مدهشة على الوديان المحيطة. الوصول إلى هذه القرية يتطلب رحلة مشي أو قيادة عبر طرق جبلية ضيقة، لكن المشهد عند الوصول يستحق كل خطوة. هناك أيضًا قرية أومولياني، التي تبدو وكأنها خرجت من كتاب حكايات قديم، حيث لا تزال التقاليد البوسنية تُمارس في الحياة اليومية، وتمنح الزائر فرصة للانغماس في نمط حياة بسيط ومتصالح مع الطبيعة. هذه القرى تقدم تجربة سفر بعيدة كل البعد عن المسارات التقليدية، لكنها غنيّة بقصص الناس والتاريخ والمشهد البري الأخّاذ.

أنهار مخفية وشلالات تسكنها العزلة

من بين المفاجآت التي تخبئها زوايا البوسنة النائية، توجد أنهار وشلالات لم تصلها جموع السيّاح بعد، مثل شلال سكاكافاك المخفي بين الغابات الكثيفة شمال شرق سراييفو، والذي يتطلب مسيرة قصيرة وسط الطبيعة للوصول إليه. وهناك نهر نيريتفا العلوي، الذي يمر عبر مناطق جبلية شبه مهجورة، ويمنح من يزوره لحظات هدوء خالص وسط مناظر لا تشوبها أية مبانٍ أو علامات حضارية. كما أن بحيرات مثل بروكوشكو في منطقة فوينيكا، والتي تقع على ارتفاع يزيد عن 1600 متر، توفّر مناظر طبيعية ساحرة وسط الأكواخ الخشبية، وتُعتبر ملاذًا حقيقيًا للهاربين من ضوضاء العالم.

مواقع تراثية منسية وآثار على هامش الزمن

في الزوايا البعيدة من البوسنة، تتوزع بقايا تاريخية تعود إلى العصور الوسطى، من بينها مقابر "ستيتشي" الحجرية المنتشرة في التلال، وهي شواهد صامتة على حضارات قديمة وديانات متنوعة كانت تعيش في وئام. بعض هذه المواقع لا تحمل أسماء شهيرة ولا توجد على الخرائط السياحية، لكنها تروي حكايات عن شعوب مرّت وخلّفت آثارها في صمت. كما يمكن العثور على أطلال أديرة وكنائس ومساجد متهالكة في أماكن شبه معزولة، تحكي عن تنوّع ثقافي عاشته البلاد منذ قرون، وتُضيف بُعدًا روحانيًا وعميقًا للرحلة.

أبعد زوايا البوسنة والهرسك ليست مجرد أماكن بعيدة جغرافيًا، بل هي نوافذ مفتوحة على روح البلاد الأصيلة، حيث يلتقي الزائر بالجمال غير المروّج له، والتجارب التي يصعب نسيانها. إنها فرصة لاكتشاف الجانب الخفي من دولة تجمع بين الهدوء الطبيعي والتاريخ الصامت والتنوّع البشري. رحلة إلى هذه الزوايا ليست فقط هروبًا من الزحام، بل عودة إلى جوهر السفر الحقيقي، حيث لا يُقاس الجمال بعدد الصور، بل بعمق الشعور والانبهار.

اشترك في قناة سائح على واتس آب لجولات حول العالم