الفن في الشارع… إبداع مفتوح للجميع

  • تاريخ النشر: الأحد، 19 أكتوبر 2025 زمن القراءة: 3 دقائق قراءة
الفن في الشارع… إبداع مفتوح للجميع

الفن لم يعد حبيس المتاحف والمعارض المغلقة، بل خرج إلى الشوارع ليصبح جزءًا من الحياة اليومية، يحاكي المارة ويثير فيهم الدهشة أو التأمل أو الابتسامة. ففي العديد من المدن الكبرى حول العالم، تحولت الجدران والجسور ومحطات المترو وحتى أرصفة الطرق إلى مساحات فنية مفتوحة، تعكس نبض المجتمع وتطلعاته. هذا الفن العفوي أو المخطط بعناية يساهم في تغيير نظرتنا للمكان، ويجعل من كل زاوية فرصة لاكتشاف قصة أو رسالة. وبقدر ما تتنوع ألوانه وأشكاله، تتنوع أيضًا غاياته؛ فمنها ما يدعو إلى الفرح، ومنها ما يحمل موقفًا سياسيًا أو ثقافيًا أو إنسانيًا. ومع تزايد الاهتمام العالمي بهذا النوع من الإبداع، أصبحت الجولات الخاصة بالفن في الشارع جزءًا من برامج السياحة الحضرية، تشجع الزوار على السير ببطء والتأمل بدلًا من العبور السريع.

الجداريات… متاحف عملاقة في الهواء الطلق

تُعد الجداريات من أبرز أشكال الفن في الشارع، حيث تحتل واجهات المباني الضخمة وتحوّلها إلى لوحات نابضة بالحياة. في مدن مثل برلين ولندن ونيويورك، لا يمكن أن تمر دون أن تلتقط الأنفاس أمام عمل ضخم يمتد على طابقين أو ثلاثة، يصور شخصية تاريخية أو قضية معاصرة. هذه الجداريات لا تُرسم عشوائيًا، بل غالبًا ما تُنفذ بتصاريح رسمية وتعاون بين البلديات والفنانين المحليين والدوليين. وفي كثير من الأحيان يتم تحديثها دوريًا، مما يجعل الحي نفسه يعيش في حالة تجدد بصري مستمر. كما أنها تشكل وسيلة لتعزيز هوية الأحياء، فهناك مناطق باتت تُعرف عالميًا فقط بسبب فنونها الجدارية مثل حي بوشويك في بروكلين أو شورديتش في لندن. ورغم أنها ثابتة على الجدران، إلا أنها تحرك مشاعر لا حصر لها لدى من يشاهدها.

التماثيل والتراكيب الحضرية… تفاعل بين الفن والواقع

إلى جانب الجداريات، نجد التماثيل والتراكيب الفنية التي تضيف لمسة من الغرابة أو التأمل في الأماكن العامة. بعضها واقعي يجسّد شخصيات بارزة أو أحداثًا تاريخية، وبعضها تجريدي يدعو للتفسير الحر. ما يميز الفن في الشارع هو قربه من الجمهور؛ يمكنك الاقتراب ولمسه أو حتى التقاط صورة طريفة بجانبه. في شيكاغو مثلاً، تُعد منحوتة "الفقاعة" أو Cloud Gate أحد أشهر المعالم السياحية رغم أنها ليست سوى عمل فني معاصر في ساحة عامة. وفي مدريد وملبورن وسنغافورة، تنتشر مجسمات معدنية أو خشبية أو زجاجية في الأزقة والحدائق ومحطات القطار، تجعل الحركة اليومية أكثر متعة وتثير فضول المارة للتوقف ولو للحظة. هذا التفاعل المباشر بين الناس والفن يخلق علاقة لا توفرها قاعات العرض الصامتة.

كيف تكتشف الفن في الشارع بنفسك؟

استكشاف الفن في الشارع لا يحتاج إلى دليل رسمي أو تذكرة دخول، بل يكفي أن تمشي بعين فضولية. استخدم الخرائط الرقمية التي توفر مواقع الجداريات والأعمال الفنية في مدينتك أو وجهة سفرك، أو انضم إلى جولة مخصصة لهذا الغرض إذا كانت متاحة. ومن الأفضل دائمًا زيارة الأحياء الإبداعية أو المناطق الصناعية القديمة التي تحولت إلى مراكز ثقافية. التقط الصور وشاركها، فالفن في الشارع وُجد ليُرى ويُناقش لا ليُهمل. والأهم من ذلك، احترم هذه الأعمال ولا تتعامل معها كخلفية فقط، بل كرسائل حيّة تعبّر عن فنانٍ ما، وعن مدينة تعطي مساحة لصوت مختلف.

في النهاية، الفن في الشارع هو دعوة للنظر إلى المدينة بعين جديدة؛ ليس ككتلة من الإسمنت والزحام، بل كلوحة متغيرة ترسمها الأيدي المبدعة كل يوم. ومن يعتاد البحث عن الإبداع في الطرقات، لن يمر في أي شارع بعد ذلك دون أن يتساءل: ماذا لو كانت هذه الجدران تنطق بالألوان؟

اشترك في قناة سائح على واتس آب لجولات حول العالم