لماذا يُعد مسار أوفرلاند من أجمل رحلات المشي في العالم؟

  • تاريخ النشر: الثلاثاء، 01 يوليو 2025
لماذا يُعد مسار أوفرلاند من أجمل رحلات المشي في العالم؟

في قلب جزيرة تسمانيا الأسترالية، يمتد أحد أكثر مسارات المشي سحرًا وعزلة في العالم، إنه مسار أوفرلاند (Overland Track)، الذي يأخذ المغامرين في رحلة مشي تمتد لأكثر من 65 كيلومترًا وسط مناظر طبيعية غير مروّضة، تجمع بين الغابات المطيرة والجبال الشاهقة والبحيرات الجليدية والوديان العميقة. يُعد المسار وجهة مثالية لعشاق الطبيعة والمشي لمسافات طويلة، حيث يجد فيه الزائر تجربة روحية وجسدية لا تتكرر، بعيدًا عن صخب المدن وضجيج العالم.

طبيعة متوحشة وسكون نادر

يمتد مسار أوفرلاند من بحيرة سانت كلير (Lake St Clair)، وهي أعمق بحيرة في أستراليا، إلى جبل كريدل (Cradle Mountain)، أحد أشهر معالم تسمانيا. ويُعتبر المشي في هذا المسار مغامرة تمتد عادة لستة أيام، يعبر فيها المتنزهون تضاريس متنوعة لا تنفك تتغير من مرحلة لأخرى: من المستنقعات الرطبة إلى الغابات الكثيفة، ومن المروج المفتوحة إلى المنحدرات الصخرية. تُحيط بالمسار نباتات نادرة كأشجار الأنتاركتيك الزاحفة والطحالب الكثيفة، ويعيش فيه تنوع غني من الحيوانات مثل الكنغر الرمادي وشيطان تسمانيا، وهو كائن نادر لا يُرى في أي مكان آخر.

السير في هذا المسار لا يُشبه مجرد نزهة جبلية، بل هو غوص في قلب البرّية الأسترالية، حيث تندر إشارات الهاتف، وتختفي الطرق الممهدة، ويصبح الاعتماد الكامل على الخريطة والبوصلة والطبيعة. في كل صباح، يستفيق المغامرون على أصوات الطيور وأشعة الشمس التي تخترق الضباب، وفي الليل، يعمّ السكون المطبق، وتظهر مجرة درب التبانة بكامل وضوحها في سماء لا تلوّثها أضواء اصطناعية.

تجربة المشي والانعزال المنظّم

على الرغم من أن مسار أوفرلاند يقع في منطقة طبيعية بريّة، إلا أنه يُدار بكفاءة عالية من قبل سلطات الحدائق الوطنية في تسمانيا، لضمان الحفاظ على البيئة وتنظيم أعداد الزوار. يُسمح بعدد محدود من المتنزهين بالدخول يوميًا خلال موسم الذروة (من أكتوبر إلى مايو)، ويُطلب منهم الحجز المسبق والحصول على تصاريح، مما يجعل التجربة أكثر خصوصية وتنظيمًا. كما تُنظم نقاط التخييم والملاجئ الخشبية على طول الطريق، لتمنح المتنزهين فرصًا للاستراحة والنوم وسط الطبيعة بأمان وراحة نسبية.

رغم أن المسار يتطلب جهدًا بدنيًا وخبرة في المشي الطويل، إلا أن منظميه يوفرون خرائط دقيقة، ومعلومات مفصلة، ونصائح مهمة حول المعدات المطلوبة والتغيرات الجوية المتوقعة. ومع أن هناك أجزاء صعبة من المسار، إلا أن التنوع الطبيعي فيه يجعل كل خطوة مجزية. كثير من المسافرين يصفون رحلتهم على مسار أوفرلاند بأنها تجربة تأملية بامتياز، تمنحهم شعورًا بالانفصال عن العالم المزدحم والاتصال العميق بالذات.

ممر إلى الجمال النقي

ما يجعل مسار أوفرلاند فريدًا ليس فقط طبيعته البكر، بل أيضًا الإحساس العام بأن الزائر يمرّ بمكان لم تمسّه يد الإنسان كثيرًا. هنا، لا يُسمع إلا صوت الريح أو تدفق المياه، ولا يُرى سوى الجبال والسماء والأشجار الصامتة التي تروي قصصًا عمرها ملايين السنين. حتى في أصعب اللحظات، يجد المسافر نفسه في حالة من الرهبة أمام هذا الجمال الطبيعي النادر.

الرحلة في أوفرلاند ليست للجميع، لكنها تظل واحدة من تلك التجارب التي تترك أثرًا عميقًا في القلب والذاكرة. هي دعوة للمشي ببطء، للتأمل، وللتواصل مع عالم هادئ وقوي في آن. في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة، يأتي مسار أوفرلاند كتذكير قوي بأن الجمال الأصيل لا يُرى من نافذة، بل يُكتشف خطوة بخطوة، بين القمم والبحيرات، وفي صمت الغابات الممتدة إلى ما لا نهاية.

اشترك في قناة سائح على واتس آب لجولات حول العالم