لوكا الإيطالية: سحر الأسوار وعبق التاريخ

  • تاريخ النشر: الجمعة، 10 أكتوبر 2025 زمن القراءة: 3 دقائق قراءة
لوكا الإيطالية: سحر الأسوار وعبق التاريخ

تقع مدينة لوكا في إقليم توسكانا شمال وسط إيطاليا، وتُعرف بطابعها التاريخي العريق الذي حافظ على روحه عبر القرون. ما يميزها حقًا هو أسوارها القديمة التي ما زالت تحتضن المدينة حتى اليوم، في منظر نادر يجعل الزائر يشعر أنه يسير داخل لوحة من العصور الوسطى. تمتزج في لوكا العمارة الرومانية بالغوثية والنهضوية، وتغمر أزقتها أجواء من السكينة والفن والتراث الديني، ما يجعلها وجهة مثالية لعشاق المدن الأوروبية الأصيلة.

الأسوار التاريخية: نزهة فوق التاريخ

الأسوار التي تحيط بمدينة لوكا هي واحدة من أبرز معالمها وأكثرها محافظة على هيئتها في أوروبا. بُنيت خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر بهدف الدفاع عن المدينة، لكنها لم تُستخدم عسكريًا قط، مما ساعد على الحفاظ عليها بحالة ممتازة. يبلغ طول الأسوار نحو أربعة كيلومترات، وتعلوها مسارات مخصصة للمشي وركوب الدراجات، تحيط بها الأشجار وتطل على مشهد بانورامي للمدينة. هذه المسارات تحولت اليوم إلى متنزّه دائري يتيح للزوار الاستمتاع بجمال المباني التاريخية من الأعلى، إضافة إلى نقاط مشاهدة تسمح بالتقاط صور مذهلة للكنائس والأسطح الحمراء المميزة.

كما تنتشر على طول الأسوار أبراج صغيرة ونقاط مراقبة وأبواب قديمة مثل "بورتا سان بياترو" و"بورتا إليسا"، كل منها يروي جزءًا من تاريخ لوكا العسكري والسياسي. السير على هذه الأسوار يمنح شعورًا بالتواصل مع العصور التي مرّت على المدينة دون أن تغيّر ملامحها الأساسية.

الكنائس الصغيرة: فنون مقدسة في كل زاوية

تشتهر لوكا بكم هائل من الكنائس نسبةً إلى حجمها، حتى أنها تُلقب أحيانًا بـ"مدينة المئة كنيسة". تنتشر الكنائس الصغيرة في أحيائها الضيقة وساحاتها الرئيسية، وتتميز بتصاميم معمارية متنوعة تجمع بين الرومانسكي والقوطي. من أبرزها كنيسة سان ميكيلي إن فورّو التي تعود إلى القرن الحادي عشر، وتشتهر بواجهتها الرخامية وزخارفها الدقيقة. كما تُعد كاتدرائية سان مارتينو تحفة فنية تحتضن أعمالًا نحتية ولوحات دينية شهيرة، إضافة إلى كنيسة سان فريديانو التي تمتاز بفسيفساء مذهلة تزين واجهتها.

زيارة هذه الكنائس تمنح الزائر فرصة لاكتشاف تاريخ المدينة الروحي والفني، إذ تحتوي العديد منها على لوحات جدارية وتماثيل قديمة ومقابر رمزية لرموز محلية. كما تجري فيها أحيانًا فعاليات موسيقية كلاسيكية تضيف بعدًا ثقافيًا إلى التجربة.

أزقة وأسواق تنبض بالحياة

رغم طابعها التاريخي الهادئ، تمتلك لوكا جانبًا نابضًا بالحياة من خلال شوارعها الضيقة وساحاتها المليئة بالمقاهي والمتاجر المحلية. ساحة ديل أنفيتياترو، التي بُنيت على بقايا مدرج روماني، تُعد مركزًا حيويًا يحتضن مطاعم وأسواقًا صغيرة ومنتجات حرفية. كما يمكن للمسافر استئجار دراجة لاستكشاف أحياء المدينة الداخلية أو التوقف عند متاجر الأجبان والمعجنات التي تشتهر بها المنطقة.

تُقام في لوكا مهرجانات موسيقية سنوية، أشهرها مهرجان لوكا الصيفي الذي يستقطب فنانين عالميين، بالإضافة إلى فعاليات ثقافية تعزز مكانتها كمدينة تجمع بين العمق التاريخي والحياة الفنية المعاصرة.

في الختام، لوكا ليست مجرد مدينة قديمة محاطة بالأسوار، بل هي رحلة مفتوحة عبر الزمن تُلامس فيها الحجارة حياة قرون مضت. شوارعها الهادئة، كنائسها المتناثرة، وأسوارها الشامخة تمنح الزائر تجربة تجمع بين التأمل والجمال والتراث. إنها وجهة لا تحتاج إلى ضجيج لتأسر القلوب، بل تعتمد على بساطتها ودفء تاريخها وروحها الأصيلة. من يزُرها مرة يدرك أنها واحدة من تلك المدن التي تُحفر في الذاكرة دون استئذان.

اشترك في قناة سائح على واتس آب لجولات حول العالم