أسباب ارتفاع درجات الحرارة بشكل قياسي في أوروبا

  • تاريخ النشر: الجمعة، 01 أغسطس 2025 زمن القراءة: 3 دقائق قراءة
مقالات ذات صلة
تأثير ارتفاع درجات الحرارة على الكوكب
كيف يتسبب ارتفاع درجات الحرارة في صعوبة إقلاع الطائرات؟
موجة الحر في إسبانيا تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة 43 درجة مئوية

شهدت أوروبا خلال السنوات الأخيرة موجات حر غير مسبوقة، لكن ما حدث في صيف 2025 تخطى التوقعات، حيث سجّلت العديد من الدول الأوروبية درجات حرارة قياسية، تجاوزت في بعضها الأربعين درجة مئوية، وهو ما يُعد أمرًا نادر الحدوث في مناخ القارة المعتدل. هذا الارتفاع الحاد في درجات الحرارة لم يكن مجرد حدث عابر، بل نتيجة مباشرة لعوامل مناخية متشابكة بدأت تتراكم آثارها منذ عقود، وتُهدد مستقبل القارة بيئيًا وصحيًا واقتصاديًا.

التغير المناخي والاحتباس الحراري: المحرك الرئيسي لموجات الحر

يُعد الاحتباس الحراري العالمي أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع درجات الحرارة في أوروبا، حيث تؤكد تقارير العلماء أن متوسط درجات الحرارة العالمية ارتفع بأكثر من 1.2 درجة مئوية منذ الثورة الصناعية. ويؤدي هذا الارتفاع إلى تغير أنماط الطقس، مما يجعل موجات الحر أكثر تواترًا وشدة. ومع تراكم الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي، تصبح الأرض أكثر قدرة على الاحتفاظ بالحرارة، مما يؤدي إلى رفع متوسط الحرارة الموسمية، لا سيما في القارات الشمالية مثل أوروبا.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

تتميز أوروبا بتضاريسها المتنوعة وأنظمتها المناخية المعقدة، لكن ارتفاع درجات الحرارة بات يشمل مناطق كانت تُعرف سابقًا باعتدال مناخها، مثل بريطانيا والدول الاسكندنافية. ويرى العلماء أن هذه التغيرات ليست عشوائية، بل نتيجة حتمية للأنشطة البشرية الملوثة، خصوصًا في قطاعات الصناعة والنقل، التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري.

تيارات جوية متقلبة وتغيرات في الضغط الجوي

من بين العوامل المؤثرة في الظواهر المناخية المتطرفة، تأتي التغيرات في التيارات النفاثة التي تتحكم في حركة الكتل الهوائية الباردة والدافئة. في حالات عدة، تسببت هذه التيارات المتذبذبة في محاصرة كتل هوائية حارة فوق مناطق واسعة من أوروبا، مما أدى إلى ارتفاع مستمر في درجات الحرارة لعدة أيام أو حتى أسابيع، فيما يُعرف بـ"القبة الحرارية".

كما تلعب أنظمة الضغط المرتفع دورًا مهمًا، حيث تمنع هذه الأنظمة تحرك الهواء الساخن وتُبقيه محصورًا في مكان واحد، فتؤدي إلى ما يشبه الفرن الطبيعي، وخصوصًا في المناطق الداخلية من القارة، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا. وتُشير النماذج المناخية الحديثة إلى أن هذه الأنظمة ستصبح أكثر شيوعًا في المستقبل، ما يعني أن موجات الحر لن تكون استثناءً، بل قاعدة جديدة.

الجفاف وحرائق الغابات: نتائج مترابطة للأزمة المناخية

ارتفاع درجات الحرارة في أوروبا لم يأتِ وحده، بل ترافق مع جفاف شديد وانخفاض في معدلات هطول الأمطار، مما ساهم في اندلاع عدد كبير من حرائق الغابات، خاصة في دول مثل إسبانيا واليونان والبرتغال. كما تسبب الجفاف في تقليل مخزون المياه الجوفية، وجعل التربة أكثر عرضة للتشقق وفقدان الغطاء النباتي، مما فاقم تأثيرات الحر ورفع درجات الحرارة على الأرض بشكل أكبر.

ولا تقتصر التأثيرات على البيئة فقط، بل تشمل كذلك قطاعات الزراعة والسياحة والطاقة، إذ يتسبب الجفاف في ضعف الإنتاج الزراعي، بينما يؤدي استهلاك مكثف للكهرباء بسبب أجهزة التبريد إلى ضغوط على الشبكات الوطنية، فضلًا عن التأثيرات الصحية المباشرة على الفئات الضعيفة من السكان، كالمسنين والأطفال.

إن ما تشهده أوروبا من ارتفاع قياسي في درجات الحرارة ليس ظاهرة محلية أو عابرة، بل جرس إنذار عالمي يعكس تسارع التغير المناخي وضرورة التحرك الفوري. وتبقى الحلول ممكنة من خلال الالتزام باتفاقيات المناخ، والحد من الانبعاثات، والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، والتكيف مع الواقع الجديد عبر تطوير البنية التحتية والصحة العامة. فكل تأخير في التعامل مع هذه الظواهر يهدد مستقبل الأجيال القادمة، ويجعل القارة الأوروبية أمام تحدٍ مناخي غير مسبوق.