البرتغال وجهة جاذبة للمهاجرين وبرامج الإقامة المتنوعة
تُعد البرتغال واحدة من أكثر الدول الأوروبية التي استطاعت خلال العقدين الأخيرين أن تُعيد تشكيل صورتها كوجهة جذابة للراغبين في الهجرة أو الانتقال للعيش في بيئة مستقرة وآمنة ومنخفضة التكلفة نسبيًا مقارنة بدول أوروبا الغربية. هذا التميز لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة سياسات مدروسة وخطط تشجيعية استهدفت المستثمرين والمتقاعدين وأصحاب الدخول المستقرة، مع توفير بنية تحتية عصرية وجودة حياة مرتفعة. وقد ساهمت البرامج القانونية المرنة، مثل تأشيرة D7 وبرنامج الإقامة عن طريق الاستثمار المعروف باسم Golden Visa، في فتح أبواب واسعة أمام فئات مختلفة من الوافدين الباحثين عن إقامة دائمة أو لاحقًا الحصول على الجنسية.
تأشيرة D7: خيار مفضل لأصحاب الدخل السلبي
تأشيرة D7، المعروفة أيضًا بتأشيرة الدخل السلبي أو "تأشيرة المتقاعدين"، تُعد من أكثر برامج الإقامة جذبًا للأفراد الذين يمتلكون دخلاً ثابتًا من مصادر خارج البرتغال، مثل المعاشات التقاعدية، أو الإيجارات العقارية، أو الاستثمارات المالية. يشترط البرنامج تقديم إثباتات مالية تؤكد قدرة المتقدم على إعالة نفسه وأسرته دون الاعتماد على النظام الاجتماعي المحلي. وتمنح هذه التأشيرة الحق في الإقامة القانونية، والتنقل بحرية داخل منطقة شنغن، والاستفادة من الأنظمة الصحية والتعليمية وفق الشروط المعمول بها. كما أنها مسار فعّال للحصول على الإقامة الدائمة بعد خمس سنوات ثم الجنسية البرتغالية لاحقًا، وهو ما يجعلها خيارًا جذابًا للأشخاص الذين يرغبون في الاستقرار طويل الأمد دون الحاجة إلى استثمار مالي كبير.
ويأتي تميّز هذا البرنامج من بساطته النسبية في المتطلبات، مقارنة بدول أخرى تفرض قيودًا واسعة أو مبالغ مالية مرتفعة. كما أن التكلفة المعيشية في البرتغال تُعد منخفضة عن جيرانها الأوروبيين، مما يمنح حاملي التأشيرة مساحة أكبر لإدارة نفقاتهم، لا سيما عند الاستقرار في مدن مثل بورتو، براغا، أو المناطق الساحلية الهادئة.
الإقامة عن طريق الاستثمار: Golden Visa
يُعد برنامج Golden Visa أحد أكثر البرامج شهرةً على مستوى أوروبا والعالم، حيث أتاح منذ إطلاقه في عام 2012 فرصًا كبيرة للمستثمرين للحصول على إقامة سريعة مقابل ضخ استثمار مالي في الاقتصاد البرتغالي. في السابق، كان الاستثمار العقاري هو الخيار الأكثر شيوعًا، إلا أن الحكومة أجرت تعديلات على اللوائح خلال السنوات الأخيرة لتوجيه الاستثمارات نحو مجالات مختلفة مثل الصناديق الاستثمارية، والبحث العلمي، وريادة الأعمال الثقافية.
يوفر هذا البرنامج إقامة أولية قابلة للتجديد، مع متطلبات إقامة فعلية محدودة، إذ يكفي قضاء بضعة أسابيع فقط داخل البلاد سنويًا. كما يمنح المستثمر وأفراد أسرته الحق في التعليم والصحة والتنقل في دول شنغن، إضافة إلى إمكانية التقدم للجنسية بعد خمس سنوات من الإقامة القانونية. ويُنظر إلى Golden Visa كإحدى الأدوات التي ساعدت البرتغال على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية وتحريك سوق العقار ودعم تطوير البنى التحتية والمشروعات الاقتصادية في قطاعات متنوعة.
مزايا العيش والاستقرار في البرتغال
النجاح الذي حققته هذه البرامج لا يعود فقط إلى سهولة الإجراءات القانونية، بل يرتبط أيضًا بجاذبية نمط الحياة البرتغالي. فالبلاد تمتاز بمناخ معتدل، وشواطئ ساحرة، ومدن تاريخية غنية بالثقافة والتراث، إضافة إلى نظام صحي فعّال، وخدمات تعليمية جيدة، ومستوى أمان مرتفع مقارنة بدول أخرى. كما يُعد الشعب البرتغالي منفتحًا ومضيافًا، الأمر الذي يسهل اندماج الوافدين اجتماعيًا ومهنيًا.
ومن الناحية الاقتصادية، شهدت البرتغال تطورًا ملحوظًا في مجالات التكنولوجيا وريادة الأعمال، مما جعلها مقصدًا للشركات الناشئة والمستثمرين الشباب. وقد عزز هذا التوجه من فرص التوظيف وخلق بيئة عمل تنافسية، لا سيما في المدن الكبرى مثل لشبونة وبورتو. كما أن اللغة البرتغالية تُعد مدخلًا للتواصل مع أكثر من 250 مليون متحدث حول العالم، مما يمنح المقيمين بعدًا ثقافيًا وتجاريًا أوسع.
في الختام، أثبتت البرتغال قدرتها على جذب شرائح متنوعة من المهاجرين عبر سياسات مرنة تراعي الاحتياجات الاقتصادية للمجتمع، وتمنح الوافدين بيئة مناسبة للحياة والاستثمار. سواء عبر تأشيرة D7 التي تلائم أصحاب الدخل المستقر، أو برنامج Golden Visa الذي يستهدف المستثمرين، تبقى البرتغال نموذجًا يجمع بين التسهيلات القانونية ونمط الحياة المتوازن، مما يجعلها خيارًا متقدمًا على خريطة الهجرة العالمية.