المطارات الخضراء: كيف تكون الرحلة صديقة للبيئة؟
مع تزايد الوعي العالمي بأهمية حماية البيئة والتقليل من الانبعاثات الكربونية، أصبح قطاع الطيران أمام تحدٍ حقيقي لإحداث تغيير إيجابي في طريقة عمله. ومن هنا ظهر مفهوم "المطارات الخضراء"، وهي منشآت تسعى إلى تقليل تأثيرها البيئي عبر استخدام الطاقة النظيفة، وإدارة الموارد بذكاء، وتشجيع ممارسات السفر المستدام. لم يعد الأمر مجرد تحسينات تجميلية أو رمزية، بل تحول إلى نهج استراتيجي تدعمه تقنيات حديثة وسياسات واضحة ومسؤولية بيئية مشتركة بين إدارات المطارات وشركات الطيران والمسافرين.
الطاقة المتجددة وإعادة التفكير في البنية التحتية
أحد أبرز ملامح المطارات الصديقة للبيئة هو اعتماد الطاقة المتجددة كمصدر رئيسي للتشغيل. تعتمد بعض المطارات اليوم على الألواح الشمسية لتزويد صالات المغادرة والمرافق الحيوية بالطاقة، بينما تستثمر أخرى في طاقة الرياح أو أنظمة التدفئة والتبريد المستدامة. مطار "دنفر" في الولايات المتحدة ومطار "كوشين" في الهند يُعدان نموذجين بارزين لاستخدام الطاقة الشمسية لتشغيل أجزاء كبيرة من بنيتهما التحتية.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ولا تقتصر الجهود على الكهرباء فقط؛ إذ تسهم أنظمة الإضاءة الذكية، والعزل الحراري المتطور، وتدوير مياه الأمطار في تقليل استهلاك الموارد. كما أصبحت مواد البناء الصديقة للبيئة أكثر حضورًا في التوسعات الجديدة، مع اعتماد تصميمات معمارية تسمح بدخول الضوء الطبيعي والتهوية الفعالة لتقليل الاعتماد على الطاقة التقليدية.
النقل الداخلي وإدارة النفايات كجزء من الحل
التحول الأخضر داخل المطارات لا يشمل الهياكل فقط، بل يمتد إلى وسائل النقل الأرضية والخدمات التشغيلية. تعتمد بعض المطارات حافلات كهربائية ومركبات تعمل بالهيدروجين لنقل الركاب والأمتعة والطواقم، مما يقلل من الانبعاثات الناتجة عن الوقود التقليدي. إضافة إلى ذلك، يجري العمل على تطوير مسارات مخصصة للدراجات الهوائية وربط محطات المترو والقطارات بالمطارات لتشجيع المسافرين على اختيار وسائل نقل أقل تلوثًا.
أما إدارة النفايات، فهي محور رئيسي آخر في هذا التحول. فالمطارات الخضراء تضع أنظمة فرز دقيقة للمخلفات وإعادة تدوير الورق والبلاستيك والمعادن. في بعض المطارات الأوروبية والآسيوية، توجد نقاط خاصة لجمع نفايات الطعام وإعادة استخدامها كسماد أو وقود حيوي. كما ألغت العديد من المطارات الاعتماد على المواد البلاستيكية أحادية الاستخدام في أكشاك الطعام، واستبدلتها ببدائل قابلة للتحلل أو متعددة الاستخدام.
دور المسافرين في دعم المطارات المستدامة
قد يبدو أن التحول البيئي مسؤولية حكومية أو مؤسسية فقط، لكن المسافرين أنفسهم يملكون دورًا محوريًا في تعزيز هذا التوجه. تبدأ المشاركة باختيار شركات طيران تتبنى سياسات صديقة للبيئة أو المطارات الحاصلة على شهادات الاستدامة. يمكن للمسافر أيضًا حمل زجاجة مياه قابلة لإعادة التعبئة، واستخدام الأكياس القماشية بدل البلاستيكية، وتقليل النفايات داخل المطار وعلى متن الطائرة.
أصبح التعويض الكربوني خيارًا متاحًا تقدمه بعض شركات الطيران والمطارات، بحيث يدفع المسافر مبلغًا رمزيًا يذهب لدعم مشاريع التشجير أو الطاقة المتجددة. كما أن الاشتراك في البرامج التي تشجع على السفر بخطوط أقل ازدحامًا أو بتذاكر إلكترونية يسهم في تقليل البصمة البيئية بشكل غير مباشر.
في الختام، تشكّل المطارات الخضراء خطوة كبيرة نحو جعل تجربة السفر جزءًا من الحل البيئي بدلًا من أن تكون أحد أسبابه. من البنية التحتية المعتمدة على الطاقة النظيفة، إلى إدارة الموارد بشكل ذكي، ووسائل النقل منخفضة الانبعاثات، تتكامل الجهود لتقديم نموذج جديد للسفر المستدام. ومع تزايد عدد المطارات التي تنضم إلى هذا التوجه، يصبح دور المسافر الواعي عنصرًا مهمًا في دعم هذه المبادرات وتسريع انتشارها عالميًا. الرحلة الصديقة للبيئة لم تعد حلمًا نظريًا، بل أصبحت واقعًا يتشكل تدريجيًا ويعد بتجربة سفر أكثر احترامًا للكوكب ومستقبله.