غابات اللاذقية الساحلية المجهولة عربيًا

  • تاريخ النشر: السبت، 18 أكتوبر 2025 زمن القراءة: دقيقتين قراءة
مقالات ذات صلة
صور قرية كسب السورية في اللاذقية حيث ينسكب الجمال
غابة بياوفييجا: آخر الغابات البدائية في أوروبا
غابة هوايا باتشيو: أسرار الغابة الأكثر رعبًا في ترانسيلفانيا

على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وفي أقصى غرب سوريا، تمتد غابات اللاذقية الخضراء كلوحة طبيعية قلّ نظيرها في المنطقة. ورغم أن اللاذقية تُعرف في الوعي العربي كمدينة ساحلية صيفية ذات شواطئ رملية وموانئ تاريخية، إلا أن القليل فقط يعلم أن خلف هذه الشواطئ تختبئ واحدة من أغنى المناطق بالغابات دائمة الخضرة في المشرق العربي. فالغابات الكثيفة التي تغطي جبال اللاذقية، من صلنفة إلى كسب، مرورًا بمصيف عين البيضا والمزيرعة، تقدم للزائر مشاهد طبيعية أقرب ما تكون إلى غابات البحر الأسود أو شمال الأناضول، حيث الضباب يلتف حول الأشجار والينابيع تتدفق في الوديان.

تنوع بيئي مدهش بين البحر والجبل

ما يميز هذه الغابات هو التنوع النادر في الغطاء النباتي، إذ تلتقي الأشجار المتوسطية مثل الزيتون والسنديان مع أشجار الصنوبر واللزاب والتنوب القادمة من البيئات الباردة. هذا التداخل المناخي يجعل المنطقة مزدوجة الشخصية: بحرية عند الشاطئ، جبلية رطبة في المرتفعات التي يتجاوز ارتفاعها 1000 متر. وفي صباحات الصيف، يمكن للزائر أن يستمتع بالسباحة في مياه المتوسط ثم يصعد في أقل من ساعة إلى منطقة ضبابية باردة تتطلب معطفًا خفيفًا. أما في الخريف، فتتحول الغابات إلى مزيج من الأخضر والذهبي والبرتقالي، ما يجعلها وجهة مثالية لعشاق التصوير والمشي الطويل.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

مصايف خفية وتجارب ريفية أصيلة

رغم شهرة مصايف مثل صلنفة وكسب عند السوريين، إلا أن العديد من القرى الجبلية لا تزال مجهولة حتى على مستوى السياحة المحلية، مثل قرى الندية وبشلاما والفرلق. في هذه المناطق يمكن استئجار منازل ريفية بسيطة تحيط بها كروم العنب وأشجار التفاح والإجاص، وتناول الطعام المحضّر على الطريقة التقليدية باستخدام الحطب. كما تنتشر على الطرق الجبلية بسطات العسل الطبيعي والمربيات المنزلية، ما يجعل التجوال أشبه برحلة عبر الزمن. وتشتهر المنطقة كذلك بصناعة "دبس الرمان" و"العرقسوس الجبلي"، فضلًا عن الأجبان والألبان المصنوعة يدويًا.

أنشطة الطبيعة للباحثين عن المغامرة والهدوء

إلى جانب الاسترخاء بين الأشجار، توفر غابات اللاذقية فرصًا ممتازة لعشاق المشي الجبلي والتخييم وركوب الدراجات الجبلية. فهناك مسارات غير رسمية تمر عبر الغابات وتؤدي إلى قمم مطلة على البحر من جهة وعلى الوديان من جهة أخرى. وفي بعض المناطق، مثل كسب وجبل النبي يونس، يمكن مشاهدة الغيوم وهي تتحرك تحت مستوى النظر، في مشهد يذكّر بجبال الألب. كما تنتشر في الوديان ينابيع مياه عذبة يمكن الشرب منها مباشرة، ما يجعل الرحلة أكثر متعة للباحثين عن تجارب طبيعية صافية. وفي الشتاء، قد تتساقط الثلوج على المرتفعات، مانحة الغابات وجهًا أبيض لا يراه سوى القليل.

في الختام، فإن غابات اللاذقية ليست مجرد خلفية خضراء لمدينة ساحلية، بل هي كنز بيئي وسياحي لم يُكتشف بعد على نطاق عربي واسع. فهي تجمع بين سحر المتوسط وهدوء الجبال، وتقدم تجارب تناسب العائلات كما تناسب محبي المغامرات. وإذا كانت الوجهات الساحلية الشهيرة مزدحمة ومكررة، فإن هذه الغابات تمنح فرصة للهروب إلى طبيعة صافية ما زالت تحتفظ ببكريتها. إنها دعوة لاكتشاف وجه مختلف من سوريا، وجه أخضر يفيض بالحياة رغم كل التحديات.