قلعة الزريب بمحافظة الوجه: رحلة عبر الزمن الساحلي
تقع قلعة الزريب في وادي الزريب شرق مدينة الوجه التابعة لمنطقة تبوك، شمال-غرب المملكة العربية السعودية، وتشكّل محطة أساسية في سردية التحصينات الساحلية وطرق الحج القديمة. شُيّدت القلعة عام 1026هـ / 1617م في عهد السلطان العثماني أحمد الأول، بهدف تأمين الحجاج وخزن المؤن على طريق الحج المصري القديم. اليوم، وبعد مرور قرابة أربعة قرون، يمكن للزائر أن يشاهد بنية القلعة المصمّمة بعناية، الأبراج الأربع، الفناء الغني بالحجيرات، والمسجد المدمج ضمن الحصن. وتزداد أهمية القلعة بكونها أحد أبرز المعالم التاريخية التي بقيت محافظة على شكلها المعماري الأصلي بدرجة كبيرة، مما يمنح الباحثين فرصة نادرة لدراسة التحصينات العثمانية في شمال-غرب المملكة.
بنية القلعة ووظيفتها التاريخية
تتمتّع قلعة الزريب بتخطيط هندسي دقيق يعكس المهارة المعمارية في القرن السابع عشر؛ حيث تتخذ شكل مستطيل أو شبه مُربّع يحتوي على أبراج دائرية في كل زاوية، ومدخل رئيسي يقع في الضلع الغربي مزوّد بقوس «موتور» وأحجار ملونة تميّز واجهته الداخلية. داخل القلعة فناء مركزي تحيط به حجرات متعددة، إلى جانب مسجد أو مصلى وبئر مياه، كما ترتبط القلعة بثلاث برك خارج الضلع الشمالي، ربما لخدمة زوار القافلة أو تخزين المياه. ويُعتقد أن الخرسانة الطينية التي استُخدمت في البناء ساعدت في تثبيت القلعة أمام عوامل التعرية على مدى قرون، وهو ما يجعلها نموذجًا واضحًا لأساليب البناء الدفاعي العثماني. إن الموقع الساحلي لمدينة الوجه على البحر الأحمر جعل القلعة تلعب دوراً مزدوجاً: حماية الحجاج وتأمين مساراتهم عبر الساحل، وكذلك مراقبة حركة القوافل البحرية والبرية في موقع استراتيجي بين البحر والجبال.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
السياق الجغرافي والثقافي والسياحي
تقع قلعة الزريب على بعد نحو 20 كم شرق مدينة الوجه، على طريق الحج المصري القديم، مما يجعلها شاهداً حياً على حركة الحجاج من شمال-غرب الجزيرة العربية عبر الساحل إلى المدن المقدّسة. هذا الموقع يجعلها أيضاً من الوجهات السياحية التي تجمع بين التراث البحري، الثقافة المحلية، والمشهد الطبيعي لجبال تبوك والبحر الأحمر. وتُعتبر القلعة اليوم معلماً لإحاطة الزائر بتاريخ المملكة وحضاراتها؛ فهي مدرجة ضمن سجل التراث العمراني، وتستقبل الباحثين والزوار المهتمين بالآثار الإسلامية والتحصينات العثمانية. كما أن التجوّل في أرجاء القلعة يمنح تجربة بصرية جميلة عند الغروب أو ليلاً، عندما تتباين الأضواء مع الحجر الرملي الأصفر، وتبدو الأبراج كحراس الزمن فوق الوادي. وتعمل الجهات المختصة في المنطقة على تطوير محيط القلعة وتحسين البنية الخدمية حولها، بهدف تعزيزها كموقع جذب سياحي متكامل ضمن مسار السياحة التراثية في تبوك.
في الختام، تأتي زيارة قلعة الزريب كمزيج فريد من التاريخ المعماري، والثقافة البحرية لحركة الحجاج، والمشهد الطبيعي لساحل البحر الأحمر. هذه القلعة ليست مجرد حصن حجري، بل بوابة إلى الماضي يؤمّها الزوار اليوم لاستكشاف عراقة المملكة السعودية وتراثها العثماني، بين البحر والجبال، بين ماضي الحجاج ومستقبل السياحة المحلية. إنها بحق رحلة عبر الزمن الساحلي تستحقها كل من يهوى التاريخ والطبيعة، وتقدّم تجربة غنية تبرز جانبًا أصيلًا من تاريخ شمال-غرب المملكة.