كرنفال البندقية ... تاريخ خلف أقنعة!!

  • تاريخ النشر: الإثنين، 12 فبراير 2018
مقالات ذات صلة
كرنفال البندقية ... تاريخ خلف أقنعة!! بالصور
كرنفال البندقية
بالصور كرنفال البندقية بإيطاليا..

إن أحد أهم مميزات مدينة البندقية (فينيسيا ) الإيطالية، هو بيوتها و شوارعها المائية ووسائل النقل فيها والتي تعتمد على (الجندول)، لكن أجمل ما تمتاز و تنفرد به فينيسيا هو كرنفالها، وهو الحدثٌ السنوي، الذي يُقام كل سنة قبل أربعين يوماً من الفصح المجيد (عيد القيامة ) و ينتهي ببداية الصوم الكبير.

قصة الكرنفال :

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

يُحكى أن الكرنفال بدأ حين انتصرت مملكة فينيسيا (اسم فينيسيا السابق) على بطريرك أكويليا (أولريك) في عام 1162 ، فأقيم هذا الحدث احتفالاً و تخليداً للنصر، أخذ الناس يرقصون و يجتمعون في ميدان سان ماركو ( أشهر ساحات فينيسيا و هي ساحة يغطيها الحمام). مرتدين أقنعة تُخفي وجوههم .

ويبدو، أن هذا المهرجان بدأ في ذلك الوقت وأصبح احتفالاً رسمياً في عصر النهضة، وأُلغي هذا المهرجان خلال القرن الثامن عشر

لكنه و بعد فترة طويلة عاد إلى الظهور في عام 1979 م، إذ قررت الحكومة الإيطالية إحياء تاريخ وثقافة مدينة البندقية، وجعلت إحياء الكرنفال والاهتمام به منطلقاً لخطتها.

لماذا نختفي بالأقنعة؟

أن تكون مقنّعاً هو شرط أساسي لتشارك في الكرنفال ويقال أن سبب وجود الأقنعة كان لإخفاء هوية صاحبها وليكون الاحتفال شعبياً لا يُفرق بين غني وفقير في مدينة سمتها الأساسية (الطبقية ) ، ويُقال أيضاً أن الأقنعة وُجدت لتخفي هوية الشخص في الأماكن غير اللائقة (الحانات و الحفلات غير المحترمة )، كونهم كانوا يهتمون بالصورة والسمعة النظيفة كطبقة عليا في المجتمع ، والأقنعة طقسٌ خاص بالبندقية دون سواها من مدن العالم.

ويُمنع ارتداء الأقنعة في جميع الأوقات، إذ يصدر الإذن بارتدائها في موعد معين وهو ما بين مهرجان عيد القديس ستيفانو ومنتصف ليلة بداية الكرنفال، وهي مسموحة أيضاً من 5 تشرين الأول إلى يوم الميلاد ، أي أن الناس يمضون فترة كبيرة من السنة متخفين بأقنعتهم !!

تُصنع الأقنعة الفينيسيّة من الجلد أو البورسلان أو بمواد زجاجية معالجة ، وقد كانت الأقنعة الأصلية بسيطة في التصميم والرسوم وغالباً ما تحمل رمزاً معيناً , بينما الآن معظم الأقنعة أصبحت تُصنع من الجبصين ورقائع الذهب ، بالإضافة إلى أنها تُرسم بالريشة الطبيعية والألوان الطبيعية وتُرصع بالأحجار الكريمة بعضها بالسواروفسكي .

أنواع الأقنعة:

ويوجد خمسة أنواع أساسية للأقنعة في فينيسا وكلٌ منها له شكل مختلف عن الآخر.

باوتا   Bauta

وهو قطعة فنية تراثية ، يُغطي كامل الوجه مع خطوط حادة عند الذقن وبدون فتحة للفم ، في حين يكون الأنف عريضاً ومرتفعاً ليمكّن الشخص من الكلام والأكل والشرب بسهولة بدون الحاجة إلى نزع القناع ، وبالتالي الحفاظ على سرية الهوية ويكون زيّ صاحب هذا القناع في الغالب ، عباءة حمراء أو سوداء وقبعة ثلاثية الزوايا.

كولومبينا Columbina 

وهو نصف قناع يغطي العينين فقط و الغالب أن يكون مرصعاً بالذهب أو الفضة أو الكريستال أو الجلد، ويوضع على الوجه من خلال عصا من نفس ألوانه ، أو   بوساطة شرائط تُربط إلى الخلف كما في غالبية الأقنعة، وقد كان هذا النوع من الأقنعة مصمماً لممثلة كانت تعمل في مجال الكوميديا لأنها كانت ترغب أن يظهر جزء من وجهها وألا تغطي جمالها كاملاً بالقناع ، وعلى هذا الأساس سُمي القناع باسمها كولومبينا .

طبيب الطاعون Medico della peste 

قناع طبيب الطاعون بأنفه الطويل هو أحد الأقنعة المعروفة والعجيبة بين الاقنعة الفينيسية، وهو تصميم فني مذهل لتاريخ مروع!!

إذ أن الطبيب كارليس دي لورمي كان يحمل هذا القناع كجزء من الأدوات الطبية لمعالجة مرضى الطاعون ، القناع ذو لون أبيض بفتحات كبيرة للعينين وأنف إنبوبي طويل ، مرصع بفصوص الكريستال ، ما يعطيه تأثير المتلصين .  

اليوم، أصبح هذا القناع مزيناً بشكل أكبر، وأطباء الطاعون الذين اتخذوا قناع الطبيب قناعاً لهم، يلبسون بشكل عام قبعة سوداء ورداءً أسود طويل مع قفازات بيضاء وعصيّ لتحريك المريض دون تماس مباشر معه حتى لا تنتقل العدوى، وقد اتخذوا هذه الاحتياطات أملاً في أن تمنع انتقال الأمراض إليهم ، وبشكل واضح يمكننا ملاحظة شعبية هذا القناع خلال الكرنفال كتخليد لذكرى طبيب الطاعون !!

موريتتا  Moretta

وهو قناع بلا شرائط ذو شكل بيضوي ، ترتديه نساء الطبقة الأرستقراطية حصراً ، ويُثبّت على الوجه من خلال عضّ المرأة على زر مثبت عليه ما يجعلها تبقى صامتة ، و هذا القناع لم يعد شائعاً منذ عام 1790 م .

فولتو  Volto

وهو قناع أساسه بياض اللون وهو فينيسيّ بحت ، يُلبس مترافقاً مع عباءة وقبعة ثلاثية الزوايا ، ويقال له أيضاً larva وهي كلمة لاتينية تعني القناع أو الشبح ، وكما القناع الأول فإن تصميم هذا النوع يسمح للمقنّع أن يتنفس ويأكل ويشرب بدون الحاجة إلى نزع القناع ودون فتحة للفم ، ويُصنع هذا القناع من القماش المشمّع ويكون خفيفاً ومريحاً للوضع ، ما يجعله مناسباً للسهرات الراقصة والاجتماعية الليلية.

أما صُناع الأقنعة فإنهم يعتبرون طبقة اجتماعية بحد ذاتها في فينيسيا ، وهي من أرقى الطبقات ولهم قوانين خاصة بهم وأقيمت نقابة لهم في 10 نيسان عام 1436 م تهتم بهم وبأمورهم كونهم جزءاً من تاريخ المدينة .

وتتراوح أسعار الأقنعة في فينيسيا ما بين 5 يورو إلى 4000 يورو ، وتعد الأقنعة من أغلى الأشياء في فينيسيا وبعضها يكون مرصعاً بالماس الطبيعي.

اليوم، في فترة الكرنفال، يزور فينيسيا حوالي ثلاثة ملايين زائر، وتبدو فينيسيا أشد ازدحاماً من أي فترة أخرى أحد أهم النشاطات في الكرنفال ، احتفالية لمسابقة أجمل قناع و الكثير من المسرحيات التي تحكي تاريخ الحقبة المنصرمة من تاريخ فينيسيا .

قد تبدو بعض الأقنعة مخيفة وغريبة ، لكنها جزء لا ينفصل من فينيسيا، من يزور البندقية ولا يعود مقنعاً ، فكأنه لم يزُرها .