كيف تطورت تقنيات التنبؤ بتسونامي؟

  • تاريخ النشر: الثلاثاء، 04 نوفمبر 2025 زمن القراءة: 3 دقائق قراءة | آخر تحديث: الأربعاء، 05 نوفمبر 2025
مقالات ذات صلة
هل يمكن التنبؤ بوقوع الزلازل؟
اليوم العالمي للكاميرا.. كيف تطورت حتى يومنا هذا؟
نظام للتنبؤ بالزلازل و«تسونامي» قبل وقوعها ومصر تحذر من تسونامي قريب

في الخامس من نوفمبر من كل عام، يحتفل العالم بـ اليوم العالمي للتوعية بأمواج تسونامي (World Tsunami Awareness Day)، وهو موعد مخصص لرفع الوعي بخطورة هذه الظاهرة الطبيعية التي تُعد من أكثر الكوارث المائية تدميرًا. تحت شعار عام 2025 الذي يركّز على “التنبؤ المبكر وإنقاذ الأرواح”، يسلّط هذا اليوم الضوء على التقدم الكبير الذي حققته البشرية في فهم الظواهر البحرية والتقليل من آثارها عبر تقنيات الرصد والإنذار المبكر. فبينما كانت أمواج تسونامي في الماضي تفاجئ المدن الساحلية دون إنذار مسبق، أصبحت اليوم تحت المراقبة الدقيقة بفضل الابتكارات العلمية المتقدمة والتعاون الدولي في مجالات التكنولوجيا والمناخ.

من المراقبة التقليدية إلى نظم الإنذار الحديثة

قبل عقود، كانت محاولات التنبؤ بأمواج تسونامي تعتمد على الملاحظات البشرية وعلى الارتباط الزمني بين الزلازل الكبرى وحدوث الموجات البحرية، وهو ما كان يفتقر إلى الدقة والسرعة. لم يكن لدى العلماء سوى محطات الزلازل التقليدية وبعض أدوات قياس المد والجزر التي تسجل التغير في مستوى سطح البحر بعد وقوع الحدث، ما يعني أن التحذير غالبًا ما يصل متأخرًا جدًا. ومع التقدم العلمي منذ سبعينيات القرن العشرين، بدأت الدول الساحلية — خصوصًا اليابان والولايات المتحدة — في إنشاء مراكز متخصصة لمراقبة النشاط الزلزالي تحت البحر، الأمر الذي أتاح بناء قاعدة بيانات ضخمة تربط بين نوع الزلازل وعمقها واحتمال توليدها لأمواج تسونامي. كان ذلك حجر الأساس لتطوير أنظمة أكثر ذكاءً، يمكنها تحليل البيانات فور وقوع الزلزال وإصدار إنذار فوري خلال دقائق معدودة.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

التقنيات الحديثة في رصد المحيطات

شهدت العقود الأخيرة ثورة حقيقية في مجال التنبؤ بالتسونامي بفضل تطور أجهزة الاستشعار العميقة والاتصالات الفضائية. من أبرز هذه الابتكارات نظام DART (Deep-ocean Assessment and Reporting of Tsunamis)، الذي طورته الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة (NOAA). يتكون هذا النظام من عوامات طافية مرتبطة بأجهزة استشعار في قاع المحيط، قادرة على رصد التغيرات الدقيقة في ضغط المياه الناتج عن حركة الموجات العميقة. تُرسل هذه البيانات عبر الأقمار الصناعية إلى مراكز التحليل، حيث يتم تقييم مدى خطورة الموجة واتجاهها وسرعتها. كما ساهم الذكاء الاصطناعي والنماذج الحاسوبية الحديثة في تحسين دقة التنبؤ، إذ يمكنها محاكاة حركة الموجات في المحيطات خلال ثوانٍ وتقدير المناطق التي ستتأثر بها. وقد أدى هذا التقدم إلى تقليص الوقت اللازم لإصدار الإنذار من ساعات إلى دقائق، مما منح السكان في المناطق الساحلية فرصة ثمينة للإخلاء الآمن قبل وصول الموجة.

التعاون الدولي وبناء مجتمعات قادرة على الاستجابة

إلى جانب التكنولوجيا، كان التعاون الدولي عنصرًا حاسمًا في تطوير أنظمة التنبؤ العالمية. فقد أطلقت اليونسكو ومكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR) برامج مشتركة لإنشاء شبكات إنذار إقليمي في مناطق المحيط الهادئ والهندي والبحر الكاريبي. هذه الشبكات تتيح تبادل المعلومات الفوري بين الدول المتجاورة، بحيث تُرسل التحذيرات في الوقت نفسه إلى عدة بلدان محتملة التأثر. كما تُنظَّم تدريبات دورية ومحاكاة واقعية لتعزيز الجاهزية لدى المجتمعات المحلية، خاصة في المناطق النامية التي تفتقر إلى البنية التحتية المتقدمة. ومع اقتراب اليوم العالمي للتوعية بأمواج تسونامي لعام 2025، تركز الجهود على إدماج التعليم البيئي في المدارس وتعريف الأجيال الجديدة بأساسيات الوقاية والاستجابة السريعة. فالمعرفة تظل السلاح الأقوى في مواجهة الكوارث، والتقنيات مهما تطورت لا تُجدي ما لم يكن هناك وعي مجتمعي بكيفية التعامل مع التحذيرات.

في الختام، يمكن القول إن تطور تقنيات التنبؤ بتسونامي يعكس تلاقي العلم والإرادة الإنسانية في مواجهة قوى الطبيعة الهائلة. فمن أدوات بسيطة كانت تُراقب البحر بعد الكارثة، وصل العالم اليوم إلى أنظمة قادرة على رصد الخطر قبل وقوعه بوقت كافٍ لإنقاذ آلاف الأرواح. ومع استمرار التعاون الدولي والابتكار العلمي، يظل الأمل قائمًا بأن يصبح تسونامي، رغم قوته، كارثة يمكن التنبؤ بها والتقليل من أضرارها إلى أدنى حد. وفي يوم 5 نوفمبر، يذكّرنا العالم بأن العلم والمعرفة هما خط الدفاع الأول أمام الكوارث الطبيعية.