ليتل آيلاند: الواحة العائمة والابتكار الهندسي في نيويورك

  • تاريخ النشر: منذ ساعة زمن القراءة: 3 دقائق قراءة
مقالات ذات صلة
رود آيلاند: واحدة من أروع وأصغر المدن المناسبة للزيارة في أمريكا
الرفاهية العائمة في مرسى دبي
هل المستقبل للفنادق العائمة فوق الماء؟

تعد "ليتل آيلاند" (Little Island) واحدة من أحدث وأبرز المعالم السياحية المعمارية في مدينة نيويورك، وهي حديقة عامة عائمة تقع في "هادسن ريفر بارك" عند رصيف الميناء رقم 55. افتتحت هذه الجزيرة الاصطناعية في مايو 2021، وهي تمثل رؤية مستقبلية لدمج الطبيعة بالفن والهندسة في قلب الغابة الخرسانية لمانهاتن. صُممت الجزيرة بتمويل من مؤسسة "عائلة ديلر فون فورستنبرغ"، لتكون ملاذاً هادئاً يوفر مساحات خضراء شاسعة وإطلالات خلابة على النهر وأفق المدينة، مما يجعلها وجهة مفضلة لسكان المدينة والسياح على حد سواء، حيث تقدم تجربة فريدة تجمع بين التصميم المبتكر والراحة النفسية بعيداً عن صخب الشوارع المزدحمة.

العمارة المبتكرة وهيكل زهور التوليب الخرساني

تعتمد ليتل آيلاند في تصميمها المعماري على هيكل فريد صممه المصمم البريطاني الشهير توماس هيذرويك، حيث ترتكز الحديقة على 132 عموداً خرسانياً تأخذ شكل "زهور التوليب". تتفاوت هذه الأعمدة في ارتفاعاتها، مما يخلق تضاريس متموجة داخل الحديقة تشبه التلال الطبيعية، وهو أمر غير معتاد في الموانئ المسطحة التقليدية. تم صب كل "بتلة" خرسانية بشكل منفصل ونقلها إلى الموقع، حيث تم تجميعها لتشكل الأوعية التي تحمل التربة والنباتات. هذا التصميم ليس جمالياً فحسب، بل روعي فيه أن يكون مقاوماً للعوامل الجوية المتقلبة في نهر هادسن، مع توفير نظام صرف معقد يحافظ على صحة الغطاء النباتي الموجود فوق هذه الهياكل المرتفعة، مما يجعلها أعجوبة هندسية تتحدى التصاميم التقليدية للمتنزهات الحضرية.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

التنوع النباتي وتصميم المناظر الطبيعية الساحرة

أشرفت شركة "إم إن إل إيه" (MNLA) على تصميم المناظر الطبيعية في ليتل آيلاند، حيث تم اختيار النباتات بعناية فائقة لتناسب البيئة المائية والمناخ المتغير في نيويورك. تضم الجزيرة أكثر من 350 نوعاً من الزهور، و114 شجرة، ومئات الأنواع من الشجيرات والأعشاب، مما يخلق نظاماً بيئياً مصغراً يتغير لونه وشكله مع تبدل الفصول الأربعة. صُممت المسارات المتعرجة داخل الحديقة لتأخذ الزوار في رحلة استكشافية بين التلال المرتفعة والمنخفضات الخضراء، حيث توجد مساحات مفتوحة للعائلات وأماكن مخصصة للتأمل. توزيع النباتات روعي فيه أيضاً توفير مناطق ظل طبيعية وحماية من الرياح النهرية، مما يعزز من تجربة التنزه ويوفر بيئة مثالية لنمو التنوع البيولوجي وسط مياه النهر.

المساحات الترفيهية والفعاليات الثقافية فوق الماء

إلى جانب كونها حديقة، صُممت ليتل آيلاند لتكون مركزاً ثقافياً نابضاً بالحياة في مانهاتن، حيث تضم مدرجاً رائعاً مكشوفاً يطل على النهر يُعرف باسم "The Amph"، ويتسع لنحو 687 شخصاً. يُستخدم هذا المدرج لاستضافة العروض الفنية، والحفلات الموسيقية، والفعاليات الثقافية المتنوعة التي تُقام غالباً في الهواء الطلق خلال أشهر الصيف. كما تضم الجزيرة مساحة أصغر للعروض تسمى "The Glade"، بالإضافة إلى ساحة مركزية توفر خيارات لتناول الطعام والمشروبات الخفيفة. إن دمج هذه المساحات الترفيهية في قلب التصميم الأخضر يجعل من ليتل آيلاند مكاناً حيوياً لا يقتصر فقط على الاسترخاء، بل يمتد ليشمل دعم الفنون المحلية وتوفير منصة للمبدعين لعرض أعمالهم في بيئة طبيعية استثنائية وجذابة.

في الختام، تمثل ليتل آيلاند نموذجاً ملهماً لكيفية استغلال المساحات المائية المهملة وتحويلها إلى معالم حضارية تخدم المجتمع وتثري المشهد الجمالي للمدن الكبرى. بفضل تضافر الجهود الهندسية والزراعية والفنية، استطاعت نيويورك إضافة جوهرة جديدة إلى تاج حدائقها العامة، تمنح الزوار فرصة نادرة للمشي فوق الماء بين الأشجار والزهور. إنها تجربة تؤكد أن الابتكار لا حدود له عندما يتعلق الأمر بتحسين جودة الحياة الحضرية وتوفير مساحات عامة تجمع بين الجمال الوظيفي والروح الفنية، لتظل ليتل آيلاند رمزاً للتجدد الدائم في مدينة لا تنام.