متحف المتروبوليتان للفنون: ذاكرة الإنسانية في قلب نيويورك
يُعدّ متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك واحداً من أعرق الصروح الثقافية في العالم، ليس فقط لحجمه أو موقعه في سنترال بارك، بل لكونه موطناً لتاريخ بصري وحضاري يمتد عبر خمسة آلاف عام. منذ افتتاحه عام 1870، تحوّل "المتروبوليتان" إلى مساحة تلتقي فيها حضارات الشرق والغرب، وتتعانق فيها الأساطير القديمة مع المدارس الفنية الحديثة، ليقدّم للعالم موسوعة إنسانية على هيئة متحف.
حضارات العالم تحت سقف واحد
يمتلك المتحف واحدة من أغنى مجموعات الفن المصري خارج مصر، حيث تضم القاعات مومياوات مصرية وتماثيل حجرية ومنحوتات خالدة وآثاراً تعود إلى عصور الفراعنة. وفي أقسام أخرى، يجد الزائر مقتنيات من حضارات بلاد الرافدين، واليونان القديمة، وروما الكلاسيكية، إلى جانب فنون جنوب آسيا والصين واليابان. هذه التشكيلة الواسعة لا تُعرض كقطع منفصلة، بل كأجزاء من قصة الإنسان في بحثه عن الهوية والجمال والأسطورة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
روائع أوروبا من العصور الوسطى إلى الانطباعية
يحتوي متحف المتروبوليتان على مجموعة ضخمة من الأعمال الأوروبية التي تعود إلى العصور الوسطى والنهضة وما بعدها. يجد المتذوق لوحات لرموز مثل رامبرانت، وفيرمير، ورينوار، ومونيه، وسيزان وغيرهم من أساتذة الفن الانطباعي والكلاسيكي، إضافة إلى أعمال أقل شهرة لكنها تكشف عن تطور المدارس الفنية في القارة على مدى قرون. كما يضم المتحف دروعاً وأسلحة أوروبية تاريخية تُعرض ضمن قاعات تحافظ على طابع الأزمنة التي جاءت منها، ما يمنح الزائر انغماساً بصرياً فريداً في حياة النبلاء والمحاربين عبر العصور. وتزيد الديكورات الداخلية والإضاءة المدروسة من شعور الزائر بأنه يسير داخل تاريخ مفتوح، لا مجرد قاعات عرض جامدة.
تنوع معاصر ومجموعات يصعب حصرها
لا يقتصر المتروبوليتان على الفنون القديمة والكلاسيكية؛ بل يحتضن كذلك أعمالاً من القرنين التاسع عشر والعشرين، إضافة إلى قطع من أمريكا اللاتينية وأفريقيا وأوقيانوسيا. تغطي مجموعاته مجالات متعددة مثل المنسوجات، والأثاث التاريخي، والمجوهرات، والمخطوطات، إضافة إلى فنون الزخرفة والسيراميك والخزف من ثقافات متنوعة. هذا التنوع يتيح للزائر الانتقال من آثار حضارة قديمة إلى لوحة انطباعية ثم إلى تصميم زخرفي آسيوي، دون أن يغادر المبنى.
مع مرور الوقت، أصبح المتحف ليس مجرد مساحة للعرض، بل مركزاً للبحث والتعليم والحفاظ على التراث. إذ يعتمد على شبكة من الخبراء والقيمين والمؤرخين لترميم ودراسة القطع النادرة، ونشر المعرفة حول أصولها وسياقها الحضاري. كما ينظم معارض مؤقتة تستضيف مقتنيات من متاحف عالمية، إلى جانب أنشطة تفاعلية وبرامج تعليمية للزوار من مختلف الأعمار.
في نهاية المطاف، يُعتبر متحف المتروبوليتان للفنون نموذجاً لالتقاء الثقافات وتقدير التاريخ الإنساني المشترك. زياراته ليست مجرد جولة داخل قاعات فنية، بل رحلة في الزمن والجغرافيا والخيال. إنه مكان يجمع ذاكرة البشر في لوحة واحدة كبيرة، تُروى فيها الحكايات عبر الحجر واللون والنحت والخط، ليبقى شاهداً على أن الفن هو أصدق ما يخلّده الإنسان خلفه عبر العصور.