مدن العالم تتسابق لجذب جيل العمل عن بُعدٍ

  • تاريخ النشر: السبت، 04 أكتوبر 2025 زمن القراءة: 3 دقائق قراءة
مقالات ذات صلة
أفضل مدن العالم للعيش المؤقت والعمل عن بُعد
أفضل مدن الشرق الأوسط للعمل عن بُعد
من بالي إلى لشبونة: مدن تتصدر مشهد العمل عن بُعد

في السنوات الأخيرة، تحوّل السفر من كونه نشاطًا ترفيهيًا مؤقتًا إلى أسلوب حياة جديد لأولئك الذين يعملون عن بُعد. ومع انتشار التقنيات الرقمية واعتماد الشركات على النماذج المرنة، بدأت عدة مدن حول العالم في استقطاب "الرحالة الرقميين" والعاملين عن بُعد من خلال برامج خاصة وتسهيلات معيشية وإقامات طويلة الأجل. هذا التوجه لم يعد مجرد ظاهرة مؤقتة، بل أصبح جزءًا متناميًا من الاقتصاد الحضري والعالمي، حيث أدركت الحكومات أن جذب هؤلاء المهنيين يعني ضخ استثمارات بشرية وثقافية ومالية مباشرة في المدن. ومع اشتداد المنافسة، تختلف أماكن الجذب بين العواصم النابضة بالنشاط والمدن الساحلية الهادئة والمناطق التاريخية ذات الخصوصية الثقافية.

برامج الإقامة الرقمية وتسهيل التأشيرات

أدركت العديد من الدول أن الأنظمة التقليدية للإقامة لم تعد ملائمة لأنماط العمل الجديدة، فابتكرت تأشيرات خاصة تسمح للعاملين عن بُعد بالعيش لفترات طويلة دون الحاجة إلى التوظيف المحلي. على سبيل المثال، أطلقت إستونيا ما يُعرف بتأشيرة "البدو الرقميين" التي تسمح بالإقامة لمدة تصل إلى عام للعاملين عبر الإنترنت من خارج البلاد. البرتغال بدورها توفر برنامج “D7” الذي يمنح إقامة طويلة لمن لديهم دخل ثابت من خارج البلاد، ما جعل مدن مثل لشبونة وبورتو قبلة للمستقلين ورواد الأعمال. أما جورجيا فسمحت بالإقامة المؤقتة دون تعقيدات إدارية، مستفيدة من انخفاض تكاليف المعيشة وسهولة التواصل الدولي. هذه النماذج ألهمت دولًا أخرى في آسيا وأمريكا اللاتينية لتقديم عروض مشابهة تعد بجذب آلاف المهنيين سنويًا.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

بنية تحتية مصممة لنمط حياة متنقل

لا يكفي إصدار التأشيرة لجذب العاملين عن بُعد، بل تحتاج المدن إلى تهيئة بيئة معيشية ملائمة تجمع بين العمل والاستقرار والرفاهية. مدن مثل بالي في إندونيسيا، وتولوم في المكسيك، ومدريد في إسبانيا، ركزت على تطوير مساحات عمل مشتركة مزودة بخدمات إنترنت عالية السرعة ومرافق اجتماعية متقدمة. كما شهدت هذه المدن نموًا في نمط السكن المرن مثل الشقق المخدومة والإقامات المشتركة التي تتيح فترات إيجار قصيرة بأسعار مناسبة. يُضاف إلى ذلك الاهتمام بالفعاليات الاجتماعية واللقاءات المهنية التي تساعد الوافدين على بناء شبكة علاقات محلية. البنية التحتية الرقمية والنقل العام وتوفر الرحلات الجوية بأسعار منافسة أصبحت عوامل أساسية في اختيار المدينة المناسبة، إلى جانب جودة الخدمات الصحية والأمان والاستقرار القانوني.

تأثير الاقتصاد الجديد على المدن والمجتمعات

المنافسة على جذب العاملين عن بُعد لا تهدف فقط إلى تعزيز السياحة، بل تسعى إلى خلق اقتصاد جديد قائم على المواهب المتنقلة. هذا التحول يحمل فوائد واضحة مثل تنشيط الأسواق المحلية، ودعم قطاعات الضيافة والخدمات، وإدخال ثقافات متجددة إلى المجتمعات المستقبِلة. لكنه في الوقت نفسه يطرح تحديات تتعلق بتوازن الأسعار وسوق العقارات والحفاظ على الهوية المحلية. في بعض المدن، ارتفعت الإيجارات بسبب زيادة الطلب من الأجانب، مما دفع الحكومات إلى سن قوانين لحماية السكان الأصليين وتحقيق توازن بين الاستثمار الخارجي والاستقرار الاجتماعي. كذلك تسعى العديد من المدن إلى دمج العاملين الوافدين في الحياة الثقافية من خلال برامج اندماج لغوي وتراثي لدعم التواصل المتبادل.

في المحصلة، يبدو أن المستقبل سيشهد ازديادًا في عدد المدن التي تتبنى هذا التوجه، خاصة تلك التي تمتلك طبيعة جذابة أو اقتصادًا واعدًا أو بنية تقنية متقدمة. المنافسة اليوم لم تعد فقط على السياح، بل على العقول القادرة على الإبداع والعمل من أي مكان. ومع استمرار هذا التحول، سيعاد تعريف مفهوم الإقامة والعمل والسفر بطريقة تتجاوز الحدود التقليدية، لتصبح المدن منافسًا عالميًا على جذب الأفراد بدل الشركات فقط. هذا الواقع الجديد يعكس تحولًا جذريًا في طريقة تفكير الحكومات والمجتمعات حول العالم حول قيمة الإنسان كرافعة تنموية متنقلة.