مركز بومبيدو بباريس… عمارة مقلوبة وروح فنية معاصرة

  • تاريخ النشر: الخميس، 27 نوفمبر 2025 زمن القراءة: 3 دقائق قراءة
مقالات ذات صلة
فن العمارة التقليدية: بين الجمال والهوية
برشلونة: عاصمة فنون غاودي والعمارة الحديثة
أصفهان: عاصمة الفن الفارسي وبهاء العمارة الإسلامية

يقف مركز بومبيدو في باريس كأحد أكثر المباني إثارة للجدل والإعجاب في الوقت نفسه، فهو ليس مجرد صرح ثقافي، بل تجربة فنية كاملة تنعكس في هندسته غير التقليدية ومحتواه الثقافي الغني. منذ افتتاحه عام 1977، شكّل هذا المبنى نقطة تحول في مفهوم المتاحف والمراكز الثقافية، إذ جعل من الفن الحديث أسلوب حياة يومية، وجعل من العمارة نفسها عملًا فنيًا بحد ذاتها. وإلى اليوم يظل مركز بومبيدو مقصدًا رئيسيًا للزوار من مختلف أنحاء العالم، بفضل تصميمه الفريد ومقتنياته الواسعة وأنشطته المتنوعة التي تستهدف الجمهور على اختلاف اهتماماته.

هندسة “المبنى المقلوب” التي صنعت ثورته

أبرز ما يميز مركز بومبيدو هو تصميمه المعماري الفريد الذي وضعه كل من رينزو بيانو وريتشارد روجرز، واللذان قرّرا قلب قواعد العمارة رأسًا على عقب. فبينما تُخفى الأنابيب والمسارات عادةً داخل الجدران، اختار المصممان وضع كل تلك العناصر في الواجهة الخارجية، ليبدو المبنى وكأنه “مقلوب” تمامًا. تُلون الأنابيب حسب وظيفتها: الأزرق للهواء، والأخضر للمياه، والأصفر للكهرباء، بينما تُترك الدعامات المعدنية ظاهرة بوضوح. هذا الأسلوب الجريء جعل بومبيدو أيقونة عالمية للهندسة الصناعية الحديثة، وأصبح مثالًا بارزًا على اتجاه العمارة عالية التقنية الذي انتشر لاحقًا حول العالم. وبفضل هذا التصميم، تتسع المساحات الداخلية لتصبح مفتوحة ومرنة تستضيف المعارض والفعاليات بسهولة.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

محتوى ثقافي غني داخل صرح غير معتاد

لا يقتصر تميّز مركز بومبيدو على هندسته الخارجية، فهو يحتضن داخل جدرانه أحد أهم المتاحف العالمية للفن المعاصر، وهو المتحف الوطني للفن الحديث، الذي يضم آلاف الأعمال التي تعود لروّاد الفن في القرنين العشرين والحادي والعشرين. من اللوحات التركيبية إلى أعمال النحت والتجارب الرقمية، يوفر المتحف تجربة واسعة تُظهر تنوع الفن الحديث ومسارات تطوره. كما يضم المبنى مكتبة عامة ضخمة تُعد من الأكثر استخدامًا في فرنسا، إلى جانب مركز بحثي ومسرح ومساحات مخصصة للعروض الحية والسينما. هذه التعددية تجعل بومبيدو منصة ثقافية شاملة تستقطب جمهورًا واسعًا، سواء من محبي الفنون أو الباحثين أو العائلات.

تجربة الزائر بين الفن والمدينة

يتحول بومبيدو في معظم الأيام إلى نقطة تجمع نابضة بالحياة، حيث تمتد ساحته الخارجية لتصبح مسرحًا مفتوحًا للفنانين والموسيقيين والرسامين. ويستمتع الزوار أيضًا بالصعود إلى الطوابق العليا عبر الأنابيب الزجاجية الشهيرة التي تُظهر مشاهد بانورامية ساحرة لباريس، بما في ذلك نهر السين وكاتدرائية نوتردام ومبنى بلدية باريس. ورغم ازدحامه في المواسم السياحية، يوفر المبنى مساحات هادئة داخل القاعات والمعارض التي تسمح للزائر بالتأمل في الأعمال الفنية المتنوعة. ويمثل مركز بومبيدو بالنسبة للكثيرين تجربة متكاملة تجمع بين الفن والمشاهدة والترفيه، وسط مدينة تحتفي بالإبداع في كل زاوية.

يظل مركز بومبيدو واحدًا من أهم المعالم الثقافية في فرنسا، ليس فقط بسبب مجموعاته الفنية، بل لأنه غيّر الطريقة التي ينظر بها العالم إلى دور المتاحف والعمارة. فمن خلال مزيج فريد من الحداثة والجرأة، قدم هذا الصرح نموذجًا مختلفًا لاحتضان الفن وجعله جزءًا طبيعيًا من حياة المدينة. وبالنسبة لكل من يزور باريس، يبقى بومبيدو تجربة لا تُفوّت تجمع بين العمارة الاستثنائية والثقافة المتجددة التي لا تتوقف عن الإلهام.