أصالة البيت الدمشقي (البيت الشامي) وقصر العظم نموذجاً

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأحد، 30 أكتوبر 2022

تمثِّل العمارة الدمشقية (الشامية) نمطاً معمارياً فريداً حول العالم، حيث تجتمع فيها العديد من الخصائص المعمارية الفريدة والبديعة التي تلبي رغبات جمالية وبيئية واجتماعية في آنٍ معاً، كما أنَّ نمط البيت الدمشقي بشكله المعروف يعدُّ من أنماط العمارة الإسلامية في عهدها الذهبي، لنتعرف معاً على أهم خصائص البيت الدمشقي وطريقة تصميمه.

 

يعتمد البيت الشامي في تصميمه على مجموعة من العوامل

تحافظ البيوت الشامية الأصيلة على تصميم متقارب جداً مهما بلغ حجمها سواء كانت بيوتاً عادية صغيرة أم قصوراً، حيث تتحكم العوامل ذاتها بالتصميم الداخلي للمنزل مع اختلافات بسيطة تتحكم بها المساحات، واختلافات كبيرة من حيث مظاهر الزينة والترف، كالنقوش والرسوم التي تزين البيوت الدمشقية الكبيرة المعروفة بالقصور الشامية.

عموماً؛ يكون تصميم البيوت الشامية متقارباً بشكل كبير ويتألف من أقسام رئيسية:

مدخل البيت الشامي

صورة لمدخل البيت الشامي

يكون ضيقاً ومتواضعاً في أغلب الأحيان كما يكون أكثر اتساعاً في القصور، ويكون المدخل مطلاً على جدارٍ في آخره ومنكسراً بزاوية قائمة بحيث لا يكشف شيئاً من البيت.

صحن الدار (الفسحة السماوية)

صحن الدار اي المنطقة المكشوفة

بعد أن ينكسر المدخل بزاوية قائمة يطلُّ على صحن الدار الذي يكون حديقة منزلية صغيرة تتوسطها بحيرة ونافورة ماء، وهناك أنواع مشهورة من الأشجار تميز حديقة البيت الدمشقي أبرزها الكبَّاد والليمون والنارنج، إضافة إلى أنواع الورود المختلفة مثل الورد الجوري الشامي والياسمين الشامي.

الإيوان

الإيوان في البيت الدمشقي

يكون الإيوان في جنوب الفسحة السماوية، وهو المكان الصيفي المثالي لسكان البيت الدمشقي، كما يكون شكله مربعاً أو مستطيلاً وبارتفاع طبقتين دون أن يعلوه شيء، فيما يكون عند بدايته على مستو الأرض ثم يرتفع عن الأرض بمقدار درجة واحدة أو أكثر، فهو على شكل صندوق مفتوح مفروش من ثلاثة أطراف، تطل عليه غرفتين من الشرق والغرب، ومقابل الإيوان تكون قاعة الاستقبال الرئيسية المرتفعة، إضافة إلى الإيوان الشتوي كما سنرى في قصر العظم.

الطابق الثاني من البيت الدمشقي

صورة للطابق الثاني

عادة يتكون الطابق الثاني من مجموعة من الغرف تشغل ثلاثة اتجاهات من المنزل ما عدا الجهة الجنوبية التي يشغلها الإيوان، وفي بعض البيوت الدمشقية كانت غرفة الاستقبال المقابلة للإيوان مبنية على طرازه من حيث ارتفاع السقف لطبقتين، ما يجعل غرف الطبقة الثانية تشغل الجهتين الغربية والشرقية ويكون لكل جهة سلم مستقل.

مواد بناء البيت الدمشقي

صورة لمكونات مواد البناء

لا وجود للإسمنت أو الحديد في بناء البيت الشامي الأصيل، بل يعتمد البناء على الحجر إمَّا لكامل جدران الطبقة الأولى أو المداميك الأولى على الأقل التي تشكِّل الأساسات المتينة للبناء كلِّه، كما يعتمد البيت الشامي على الطوب الطيني في بناء الجدران وعلى الخشب في تدعيم الجدران وبناء السقوف، ولهذه المواد قيمة كبيرة من حيث مزاياها البيئية والمناخية سنذكرها لاحقاً.

 

تكون الأجنحة كلُّها في الطبقة الأرضية في القصور

يتكون البيت الشامي عادةً من ثلاثة أجنحة رئيسية مقسَّمة حسب الاستخدام، وهي الحرملك والسلاملك والخدملك، حيث تستوي هذه الأقسام في الطبقة الأرضية في القصور الشامية مثل قصر العظم، بينما تتوزع على عدة طبقات في البيوت الدمشقية العادية، وهي في القصور كالآتي:

جناح السلاملك

صورة لجناح السلاملك المخصص لاستقبال الضيوف

هو جناح استقبال الضيوف الذي يكون الأقرب إلى مدخل البيت الرئيسي، وأهم أقسامه الإيوان وقاعة الاستقبال، حيث تطل غرف السلاملك على فسحة سماوية تتوسطها بحرة ونافورة.

جناح الحرملك

جناح الحرملك

نصل إليه من جناح الاستقبال بمسار متعرج للحفاظ على خصوصيته، حيث لا يتمكن من يمر من جناح الاستقبال أن يكشف جناح الحرملك، وهو الجناح المخصص للعائلة، يتوسطه أيضاً صحن وبحرة ونافورة إضافة إلى الأشجار الشامية، علماً أن بعض البيوت استغنت في تصميمها عن قسم الحرملك واستعانت بالطبقة العلوية لتكون مخصصة للعائلة.

جناح الخدملك

هذا القسم مخصص للخدم والعاملين في القصر الشامي، وتكون مداخله جانبية ومخفية كما يوجد مداخل للاسطبل وبيت المونة، حيث يتألف الخدملك من بحرة صغيرة في صحن الدار الصغير تناسباً مع فناءات الأجنحة الأخرى، تحيط به غرف المعيشة والخدمة.

أجنحة البيت الدمشقي

في البيوت العادية تتوزع الأقسام المذكورة على طبقتين أو ثلاث، حيث تضم الطبقة الأرضية قسم الاستقبال، فيما يتم تخصيص الطابق الأول للمعيشة، كما يتم استغلال القبو في التموين وحفظ الماء ويكون له درج حجري من الطبقة الأرضية ونوافذ بمستوى الأرض.

نلاحظ أن أجنحة البيوت الدمشقية -خاصة الكبيرة منها- تمثِّل ثلاثة بيوت مستقلة لكلٍّ منها مساره الخاص وبحيرته وفناؤه الخاص.

 

تم بناء قصر العظم مكان أول قصور الخلافة الأموية في دمشق

يعتبر قصر أسعد باشا العظم تحفة معمارية شامية مميزة، حيث ما زال يحافظ على عناصره المعمارية والفنية حتى يومنا هذا، وهو مفتوح أمام الزوار ليتنقلوا في أرجائه وأقسامه مع وجود تماثيل شمعية تشرح طريقة الحياة الشامية، كما يعتبر بناءً مثالياً للتعرف على عناصر العمارة الشامية والقصور الدمشقية من حيث التقسيم والتصميم والزخارف.

تاريخ قصر العظم

بني قصر العظم سنة 1163 هجرية الموافقة لعام 1749 ميلادي، وقد تم بناؤه في مركز مدينة دمشق القديمة جنوب الجامع الأموي وعند بداية سوق البزورية الشهير، كما يعتقد أنَّه بني في موقع دار الخلافة الأموية في زمن الخليفة معاوية بن أبي سفيان، والتي كانت تعرف (قصر الخضراء) وفق ما يذكر كتاب العمارة الإسلامية في سورية لمؤلفه أحمد فائز الحمصي، ويشير الحمصي أيضاً إلى أن قصر العظم بني في قسم من صحن معبد جوبتير القديم، وقد استغرق بناء القصر ثلاث سنوات بعد أن أمر بإنشائه والي دمشق آن ذاك أسعد باشا العظم، وتبلغ مساحة القصر الحالية 5500 متر مربع.

تصميم قصر العظم

اتبع بناة القصر التصميم الدمشقي الأصيل في تشييد قصر أسعد باشا العظم، حيث يتألف القصر من كتلتين رئيسيتين يفصل بينهما المدخل الرئيسي، فيتم الدخول إلى القصر من باب كبير باتجاه سوق البزورية، ثم مدخل عريض ومرتفع معقود بمصلبات حجرية، وفي نهاية المدخل ممرين باتجاهين متعاكسين، الممر إلى يمين الزائر يفضي إلى قسم السلاملك (الجهة الجنوبية من القصر)، ويتألف السلاملك (قسم الاستقبال) من فسحة سماوية فيها بحرة مستطيلة ونافورة وأربع قاعات لاستقبال الضيوف، إضافة إلى إيوان يفصل بين القاعتين الجنوبيتين، كما يتصل هذا الجناح مع جناح الحرملك بممر ضيق فيه عجلة خشبية اسطوانية يضع الخدم فيها الضيافة من مشروبات أو أطعمة ويدورونها إلى جهة السلاملك.

من بين الإبداعات المعمارية المتميزة في قصر العظم أن البركة المستطيلة في قسم السلاملك توزع فائض المياه عبر مجارير تحت أرضية إلى البرك المنخفضة في قسم الحرملك.

الحرملك في قصر العظم

يشغل الحرملك المساحة الأكبر من قصر أسعد باشا العظم في دمشق، حيث يمتد على ثلثي مساحة القصر وندخل إليه بواسطة ممر ضيق إلى يسار المدخل الرئيسي (الجهة الشمالية)، كما تميز قسم الحرملك بتصميمه الفاخر وقاعاته الفارهة إضافة إلى الزخارف البديعة على الجدران والأسقف، ويتصل الحرملك بقسم الخدم (الخدملك) وهو جناح صغير ملحق به.

يتكون الحرملك في قصر العظم من فناء كبير يمتد من الشرق إلى الغرب، وله إيوانان متقابلان في الشمال والجنوب، الإيوان الجنوبي هو الإيوان الصيفي له قوس شاهق، أما الإيوان الشمالي فهو الإيوان الشتوي وهو معمَّد بشكل رواق مرتفع عن مستوى الأرض في مكان الجلوس ويتضمن ثلاث بحرات رخامية، كم تلحق بالحرملك غرف الخدمة إضافة إلى حمام القصر، والحمام في قصر العظم هو نموذج مصغَّر عن الحمامات الإسلامية العامة.

التزيين والزخارف في قصر العظم

يتميز القصر ببنائه الخارجي البسيط، بينما نجده من الداخل لوحة فنية بديعة ومترفة، حيث استخدم البناة الأحجار الملونة في تزيين واجهاته الداخلية (الأحمر والأصفر والأبيض)، كما تم استخدام الآرابيسك العربي في تزيين الأبواب مع الاستعانة بالصدف، فيما تم تزيين الأرضيات بالرخام والفسيفساء الرخامية ذات الأشكال الهندسية، كما تم تزيين الجدران والأسقف بطريقة العجمي التي تشتهر بها دمشق، إضافة إلى استخدام المقرنصات عند قواعد الأقواس وفي بعض النوافذ والزوايا.

 

تلبي هندسة المنزل الشامي العديد من الرغبات الجمالية والاجتماعية والبيئية

لم تعد البيوت في دمشق تبنى بذات المواد أو على نفس التصميم، لكن الدمشقيين خسروا بذلك العديد من المميزات المعمارية التي تمتعت بها البيوت العربية الشامية الأصيلة، فهذه البيوت لم يكن بناؤها عبثياً بل معتمداً على دراية ودراسة للظروف الجوية وللمتطلبات الاجتماعية للأسرة الدمشقية، ونذكر بعض الخصائص التي ميزت البيوت الدمشقية الأصيلة عن أنظمة العمارة الحديثة:

  1. إن استخدام الطين والخشب والحجر في العمارة كان يعتبر أمراً مهماً للتصدي لظروف الطقس المختلفة، وهذه المواد التي كانت تلبي حاجات الإنسان تم الاستغناء عنها على حساب الإسمنت الذي يساعد في تشكيل المنحنيات وتنفيذ تصميمات أكثر حداثة ومعاصرة.
  2. الصحن الداخلي (الفناء أو الفسحة السماوية) تعد بمثابة معدِّل طبيعي لجو المنزل في الصيف والشتاء، كما أنّ صحن الدار يلعب دوراً كبيراً في تنقية الجو بمساعدة الأشجار وبرك الماء التي تعتبر جزءاً رئيسياً من تصميم المنزل الشامي.
  3. من الناحية المناخية أيضاً يراعي تصميم البيت الدمشقي اتجاه شروق الشمس وغيابها واتجاه الرياح في الشتاء والصيف ليتم بناء الإيوانات الشتوية والصيفية، كما يتم استغلال القبو الحجري بحفظ الأطعمة والمونة لما يتميز به من قدرة في الحفاظ على الحرارة المعتدلة.
  4. كما أبدع البناؤون الدمشقيون في تصميم الواجهات الخارجية مع بروزات تعتبر كاسرات للشمس تساعد في تظليل أجزاء كبيرة من جدران المنزل ما يساهم في تخفيف حرارة الشمس، إضافة إلى العديد من الحيل المعمارية المستخدمة لأهداف مناخية، كما أن سماكة الجدران تساهم في تأمين عزل مناخي كبير للبيت الداخلي.
  5. يوفر المنزل الدمشقي عزلة كاملة عن الجوار ويحافظ على خصوصية كاملة للعائلة من خلال توزيع المداخل والمرافق.
  6. على الرغم من المساحات الكبيرة للبيوت الدمشقية العريقة إلّا أن تصميم البيت الدمشقي يساعد على استغلال المساحات بشكل مدروس مع تلبية المتطلبات الاجتماعية للسكان.

ختاماً.... هناك العديد من البيوت والقصور الدمشقية التي ما زالت تحافظ على بنيتها المعمارية الأساسية يتجمع أغلبها في مدينة دمشق القديمة، كما أن أغلب هذه البيوت يتم استغلالها سياحياً أو ثقافياً على المستوى الحكومي كما هو الحال في قصر العظم وفي مكتب عنبر، أو على مستوى القطَّاع الخاص الذي حوَّل عدَّة بيوت تراثية إلى فنادق ومقاهٍ ومعارض فنية، ومهما كانت القراءة ممتعة لن تكون مثل زيارة البيت الدمشقي.