التراث غير المادي: فنون وطقوس باقية في الذاكرة

  • تاريخ النشر: الأحد، 29 يونيو 2025
التراث غير المادي: فنون وطقوس باقية في الذاكرة

في عالم يتغير بوتيرة متسارعة، لا تزال الشعوب تتمسك بما يميزها عن غيرها من خلال تراثها غير المادي، ذلك التراث الذي لا يُرى بالعين المجردة كما في المباني والآثار، بل يُحس ويُعاش ويتناقل من جيل إلى جيل عبر الكلمة، والفن، والعادة، والاحتفال. إنه ذلك الجزء الحي من الثقافة الذي ينبض بالحياة في الأغاني الشعبية، والحكايات المتوارثة، والرقصات الطقسية، والحرف التقليدية، والاحتفالات الجماعية، وكل ما يعكس روح المجتمعات ويمنحها هويتها الفريدة.

الرقصات والاحتفالات: لغة الشعوب الصامتة

تشكل الرقصات الشعبية والاحتفالات الموسمية حجر الزاوية في التراث غير المادي للعديد من الثقافات. ففي المغرب مثلاً، تعكس رقصة "أحواش" التمازج بين الفن والشعر في طقوس جماعية تعبر عن الانتماء والفرح. وفي اليابان، يبرز "مهرجان غيون" في كيوتو كرمز للتقاليد المتجذرة، حيث تُعرض عربات خشبية ضخمة وتُعزف موسيقى تقليدية تصحبها طقوس تعود إلى قرون مضت. هذه الفنون ليست مجرد عروض، بل وسائل للتعبير عن التاريخ والهوية والقيم المجتمعية، وهي ما يمنحها خصوصية وعمقاً يتجاوز الزمن.

الحرف اليدوية: بصمة الأصالة والمهارة

تُعد الحرف اليدوية جزءًا لا يتجزأ من التراث غير المادي، حيث تحتفظ كل منطقة في العالم بمهاراتها المميزة التي تنقلها من جيل إلى جيل. من تطريز الثوب الفلسطيني الذي يُجسد هوية كل مدينة عبر نقوشها، إلى صناعة الفخار في تونس التي توثق أنماط الحياة القديمة، تعكس هذه الأعمال تفاصيل الحياة اليومية وتراث الأجداد. كما أنها تؤدي دورًا اقتصاديًا وثقافيًا في المجتمعات الريفية، إذ توفّر مصدر دخل وتعزز من شعور الأفراد بالفخر والانتماء.

الحكايات الشفوية والموسيقى التقليدية: ذاكرة الشعوب الحية

تُعد الحكايات والأساطير المتوارثة شفهياً من أبرز أشكال التراث غير المادي التي تحفظ تاريخ الشعوب بطريقة غير رسمية. في إفريقيا، يتناقل الرواة قصصًا تشكل الوعي الجمعي وتنقل الحكم والمعارف، بينما يشتهر عالم العرب بحكايات "ألف ليلة وليلة" التي تسردها الجدات كأداة تربوية وترفيهية في آنٍ واحد. أما الموسيقى التقليدية، فتعمل كوعاء للمشاعر والتجارب، حيث تعكس الألحان والكلمات علاقة الإنسان بمحيطه وتاريخه، مثل "السامبا" في البرازيل أو "الجاز" في الولايات المتحدة، وكلاهما نابع من تجارب اجتماعية وإنسانية عميقة.

التراث غير المادي ليس شيئًا يمكن عرضه في المتاحف أو حفظه في خزائن، بل هو حيٌّ ومتحرك، يتجدد مع كل مرة يُمارس فيها أو يُعلّم. الحفاظ عليه لا يكون فقط بالتوثيق، بل بمشاركته الفعالة في الحياة اليومية، وتقديره كمصدر للإلهام والتنوع الثقافي. في ظل عولمة قد تهدد خصوصيات المجتمعات، يصبح الاعتزاز بهذا التراث واجبًا ثقافيًا وإنسانيًا يضمن استمرار الذاكرة الجمعية للشعوب ويحافظ على تنوع العالم الإنساني.

اشترك في قناة سائح على واتس آب لجولات حول العالم