القيروان: مدينة التاريخ والدين في قلب تونس

  • تاريخ النشر: الثلاثاء، 02 سبتمبر 2025 زمن القراءة: 3 دقائق قراءة
مقالات ذات صلة
المدينة العتيقة في تونس: قلب التاريخ ونبض الأصالة
قلب إيطاليا: جرب زيارة هذه المدينة التاريخية ذات الأنشطة المتنوعة
شجرة مريم: إرث ديني وتاريخي في قلب حي مصري

تُعد مدينة القيروان واحدة من أعرق المدن الإسلامية وأكثرها تأثيرًا في التاريخ الإسلامي، حيث أسسها عقبة بن نافع عام 670م لتكون قاعدة استراتيجية ودينية في شمال إفريقيا. ومنذ ذلك الحين أصبحت القيروان مركزًا إشعاعيًا للعلم والثقافة والدين، وارتبط اسمها بالفتوحات الإسلامية ونشر الإسلام في المنطقة المغاربية. كما اكتسبت المدينة مكانة عظيمة بفضل جامعها الكبير الذي يُعتبر من أقدم وأهم المساجد في العالم الإسلامي، والذي يمثل تحفة معمارية تجسد مزيجًا بين البساطة والقوة في التصميم. هذه المدينة، التي تُلقب بـ"عاصمة الإسلام الأولى في المغرب العربي"، لا تزال حتى اليوم مقصداً للزوار والباحثين عن الجذور التاريخية والروحانية العميقة.

الجامع الكبير.. رمز حضاري خالد

يُعتبر جامع القيروان الكبير الذي بناه عقبة بن نافع أحد أبرز المعالم الإسلامية على الإطلاق، حيث يعود تاريخه إلى القرن السابع الميلادي، وقد خضع عبر القرون لعمليات توسعة وترميم أضافت إليه عناصر معمارية فريدة. يتميز الجامع بصحنه الواسع وأعمدته الرخامية وزخارفه البسيطة التي تعكس روح التقشف والزهد، كما أن منبره الخشبي يُعد من أقدم المنابر في العالم الإسلامي. وقد شكل الجامع مركزًا علميًا ودينيًا بارزًا، حيث خرج منه العديد من العلماء والفقهاء الذين أسهموا في نشر العلوم الإسلامية في المغرب العربي والأندلس. كما كان الجامع الكبير مقرًا للتدريس والفتوى، مما جعله منارة علمية تضاهي كبرى مراكز التعليم في العصور الإسلامية الذهبية.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

القيروان كمركز علمي وثقافي

لم تقتصر مكانة القيروان على بعدها الديني فقط، بل كانت عبر العصور مركزًا ثقافيًا وعلميًا هامًا. فقد احتضنت المدينة حلقات علمية في الفقه واللغة العربية وعلوم القرآن، وكان لها دور كبير في نشأة المذهب المالكي وانتشاره في شمال إفريقيا والأندلس. كما عُرفت القيروان بازدهار فنون الخط العربي والزخرفة الإسلامية، وهو ما يظهر جليًا في المخطوطات القديمة والقطع الفنية التي ما زالت محفوظة في متاحفها. وإلى جانب العلوم الدينية، شهدت المدينة نشاطًا تجاريًا بارزًا نظرًا لموقعها الاستراتيجي الذي جعلها محطة رئيسية على طرق القوافل التجارية، مما ساهم في ازدهارها الاقتصادي والثقافي. هذا التداخل بين الدين والعلم والتجارة جعل من القيروان مدينة متكاملة لعبت دورًا محوريًا في التاريخ الإسلامي.

القيروان اليوم.. وجهة سياحية وروحانية

رغم مرور القرون، لا تزال القيروان تحتفظ بمكانتها كوجهة سياحية ودينية بارزة. فإلى جانب جامعها الكبير، تضم المدينة العديد من المعالم الأخرى مثل مسجد الأنصار، ومسجد أبي زمعة البلوي المعروف بقداسته، إضافة إلى الأحياء القديمة ذات الطابع الأندلسي والأسواق التقليدية التي تعرض منتجات حرفية أصيلة مثل السجاد القيرواني الشهير. كما يقام في المدينة مهرجانات ثقافية ودينية تحتفي بتراثها العريق، وتستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم. وتمنح القيروان زائريها تجربة متكاملة تجمع بين التاريخ والروحانية والضيافة التونسية الأصيلة، مما يجعلها واحدة من أبرز الوجهات السياحية في شمال إفريقيا.

في الختام، تمثل القيروان مدينة فريدة تحمل في طياتها تاريخًا ممتدًا لأكثر من أربعة عشر قرنًا، حيث جمعت بين الدين والعلم والثقافة لتصبح نموذجًا حضاريًا رائدًا في العالم الإسلامي. ولا يزال جامعها الكبير شاهدًا حيًا على عظمتها ودورها الريادي في نشر الإسلام وبناء الهوية الثقافية لشمال إفريقيا. ومع ما تقدمه اليوم من معالم سياحية وروحانية عميقة، تظل القيروان واحدة من أهم المدن التي تستحق الزيارة والتأمل في قيمتها التاريخية والدينية التي لا تقدر بثمن.