خندق ماريانا رحلة إلى أعمق نقطة عرفها الإنسان على وجه الأرض

  • تاريخ النشر: السبت، 02 سبتمبر 2023 آخر تحديث: الأحد، 03 سبتمبر 2023
خندق ماريانا رحلة إلى أعمق نقطة عرفها الإنسان على وجه الأرض

يعدّ خندق ماريانا واحدًا من أكثر الظواهر الجيولوجية غموضاً والتي تعمل على إثارة الدهشة والتساؤل، عند زيارته ستذهبون في رحلة إلى أعماق المحيطات البعيدة، حيث تحدث ظروف غامضة ولا تُصدق، ويُعَدّ هذا الخندق نقطة لاهتمام العلماء والمستكشفين على حد سواء، حيث يكشف لنا عن أسرار غامضة تحت سطح المحيطات.

خندق ماريانا أعمق نقطة على سطح الأرض
تمتد هذه المنطقة العميقة في المحيط الهادئ إلى عمق يزيد عن 36,000 قدم تحت سطح الماء، مما يجعلها أعمق نقطة في المحيطات وبالتالي أعمق نقطة تمكن الإنسان من الوصول إليها على سطح الأرض، يُعتقد أنّ الخندق تشكّل نتيجة لاندفاع لوح المحيط الهادئ تحت لوح القارة الأمريكية في ما يُعرف بعملية الانغمار البحري، تتسبب هذه العملية في تشكل حفرة عميقة تُعرف بالخندق.

كيف تكونت أعمق نقطة على سطح الأرض؟
يعكس خندق ماريانا عجائب التكوين الطبيعي للأرض وقوى الطبيعة التي شكلت الكوكب الأزرق كما نعرفه اليوم، إن فهم كيفية تكوّن هذا الخندق العميق يفتح نافذة إلى التفاصيل الرائعة لعمليات التشكل الجيولوجي والتكوين الكوني التي شكلت سطح الأرض.

1. تصادم الصفائح التكتونية
لفهم تكوين خندق ماريانا، يجب أن نتطرق إلى تصادم الصفائح التكتونية، حيث يقع خندق ماريانا في نقطة اصطدام صفيحة المحيط الهادئ مع صفيحة الفلبين، تسمى هذه العملية بالتصادم الطرفي، حيث تندفع صفيحة المحيط الهادئ تحت صفيحة الفلبين، مُكوّنة منطقة خندق ماريانا، تتكون هذه الصفائح التكتونية من قشرة الأرض الصلبة، ولكن تلك القوى الهائلة تجبر القشرة على الاندماج والانحناء لتشكيل هذا الخندق العميق.

2. الاندماج والتكوين
مع تحرك صفيحة المحيط الهادئ تحت صفيحة الفلبين، تبدأ القشرة في الاندماج والانصهار بعمق، يؤدي ذلك إلى تكوين مادة مُذابة تتحرك صعوداً نحو السطح، هذه العملية تسهم في تكوين الجبال والجزر البركانية وتشكيل البنية التضاريسية المعقدة حول خندق ماريانا.

3. الضغط والتغييرات الكيميائية
مع تصاعد المادة المذابة نحو السطح، يتعرض المحتوى المعدني والكيميائي لهذه المادة لتغييرات هائلة، تحت ضغط العمق الشديد، حيث تتغير الأملاح والمعادن في المادة المذابة وتتشكل معادن جديدة، هذه التفاعلات الكيميائية تساهم في تكوين تراكيب معدنية مختلفة وتشكل الأساس لتكوينات جيولوجية مثل القشرة الأرضية.

4. الانحناء وتشكيل القمم الجبلية
مع استمرار الاندماج والتصادم بين الصفيحتين التكتونيتين، تتشكل القمم الجبلية والجبال المائية حول خندق ماريانا، وترتفع القمم الجبلية فوق سطح البحر لتشكل جزرًا وسلاسل جبلية، بينما يستمر الانحناء والانصهار في عمق الأرض لتشكيل البنية الداخلية للكوكب.

صعوبات استكشاف خندق ماريانا
عالم البحار والاستكشاف البحري يعتبر تحديًا مثيرًا يُلقي بالضوء على أسرار المحيطات العميقة وظروفها القاسية، من بين تلك التحديات الاستكشافية تبرز صعوبات استكشاف خندق ماريانا، وهو أعمق نقطة في قاع البحار وواحدة من أكثر الظواهر الطبيعية إثارة وغموض، سنتناول بعض تلك الصعوبات والتحديات التي واجهها الباحثون خلال رحلتهم لاكتشاف هذا السر البحري.

1. الضغط العميق والظروف القاسية
 يعتبر أحد أبرز التحديات التي واجهتها البعثات الاستكشافية وهو الضغط الهائل في أعماق خندق ماريانا، فالضغط يصل إلى ما يقرب من 1100 بار، أي أكثر من 1000 ضعف ضغط الهواء على سطح البحر، هذا الضغط العالي يعني أن أي غواصة أو معدات تحتاج إلى أن تكون مصممة لتحمل هذا الضغط الشديد والبقاء سليمة.

2. درجات الحرارة الشديدة
تشهد أعماق خندق ماريانا درجات حرارة شديدة الانخفاض، تصل درجة الحرارة في بعض المناطق إلى ما دون صفر درجة مئوية، هذه الظروف تجعل من الصعب تصميماً وتطوير معدات تستطيع تحمل تلك البرودة القارصة وتعمل بفعالية.

3. نقص الضوء والظلام الكامل
في أعماق البحار، ينعدم الضوء تمامًا، مما يخلق بيئة مظلمة بالكامل، هذا يعني أن الباحثين يعتمدون بشكل كبير على التكنولوجيا والإضاءة الصناعية للاستكشاف والتصوير.

4. ضرورة الابتكار التقني
لاستكشاف أعماق خندق ماريانا، يجب تطوير معدات وغواصات متخصصة تستطيع التحمل والعمل في تلك الظروف القاسية، هذا يتطلب ابتكار تقنياً وتصميم مبتكر لضمان سلامة الفرق البحثية وجمع بيانات دقيقة.

5. تحديات الملاحة والبنية التضاريسية
يشكل قاع خندق ماريانا تحديًا كبيرًا فيما يتعلق بالملاحة والتحكم في الغواصات والمعدات، البنية التضاريسية المعقدة والمنحدرات الحادة تمثل تحديات إضافية للاستكشاف وجمع البيانات.

6. التحديات البيئية
بالإضافة إلى التحديات التكنولوجية، تثير الاستكشافات في أعماق خندق ماريانا قلقًا بيئيًا، كما أن التأثير على الحياة البحرية والبيئات في تلك الأعماق يتطلب مراعاة دقيقة لتقليل أي تأثير سلبي محتمل.

رحلات استكشاف الخندق على مر العقود
في عالم يمتد فيه التجارب والاستكشاف لتحقيق المزيد من الاكتشافات، تعتبر رحلة اكتشاف خندق ماريانا من بين أبرز الإنجازات في مجال البحث العلمي والجيولوجيا البحرية، لقد استغرق الأمر عقودًا من الزمن ومجهودًا جماعيًا للوصول إلى أعماق هذه الظاهرة الطبيعية الرائعة والغامضة، دعونا نستعرض سويًا رحلة اكتشاف خندق ماريانا والمراحل التي مرت بها.

البداية المبكرة
بدأت رحلة اكتشاف خندق ماريانا في منتصف القرن التاسع عشر، عندما أجريت أولى المساحات البحرية لاستكشاف المحيطات، في عام 1875، قامت حملة المسح العلمي  البريطانية تشالنجر برحلة استكشافية في المحيط الهادئ بهدف دراسة الحياة البحرية والجغرافيا البحرية، خلال هذه الرحلة، وبالتحديد في 23 مارس 1875، حيث تم قياس عمق ضخم أثناء رمي سلسلة من الأدوات ذات الأوزان المتصلة بالحبل إلى قاع البحر، وهكذا بدأت أولى محاولات قياس عمق خندق ماريانا.

الاستكشافات الأولية
لم يتم اكتشاف الخندق بشكل كامل خلال هذه الرحلة الأولى، كما استمرت الجهود الاستكشافية بواسطة عدة بعثات علمية في العقود التالية، في عام 1951، قام عالم الجيولوجيا الأمريكي هاري هسورت بتجميع مجموعة من البيانات البحرية والجيولوجية والتي ساهمت في تحديد مكان وتضاريس خندق ماريانا.

الاستكشاف النهائي
وصلت جهود الاستكشاف إلى ذروتها في عام 1960 عندما نجحت بعثة الغواصة التري-ستار الأمريكية في الوصول إلى قاع خندق ماريانا، حيث تمكّن الغواصان دونالد والش من الوصول إلى عمق 10,916 مترًا باستخدام غواصة تحمل اسم "تري-ستار"، وهو إنجاز تاريخي يعتبره العلماء البحريين أفضل إنجاز بحري إلى اليوم.

على مر العقود، ساهمت البعثات والأبحاث في كشف أسرار خندق ماريانا، حيث تمكّن العلماء من تحليل تركيبة المياه ودراسة التأثيرات البيئية على الكائنات الحية هناك، كما قدّمت الأبحاث العديد من الاكتشافات الهامة، منها اكتشاف أنواع جديدة من الكائنات المائية وفهم العمليات الجيولوجية العميقة التي تشكل هذه المنطقة.

في الختام، يعتبر خندق ماريانا تحفة طبيعية فريدة تروي لنا قصة عن عمق البحار وغموضها، فهو تذكير بقوة الطبيعة وتعقيداتها، وكذلك بقدرة الإنسان على استكشاف وفهم أعماق الكوكب الأزرق الغامض، وهو ما يجعله محط اهتمام الكثيرين.
 

اشترك في قناة سائح على واتس آب لجولات حول العالم