قرطاج.. تونس: آثار تتكلم بلغة الفينيقيين والرومان

  • تاريخ النشر: الخميس، 24 يوليو 2025 زمن القراءة: دقيقتين قراءة
قرطاج.. تونس: آثار تتكلم بلغة الفينيقيين والرومان

على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، بالقرب من العاصمة التونسية، تقف قرطاج شامخةً رغم ما مرّ بها من حروب ودمار، لتروي حكاية مجدٍ عمره آلاف السنين. كانت هذه المدينة المركزية في الحضارة الفينيقية، ثم أصبحت من أهم المواقع في الإمبراطورية الرومانية. اليوم، لا تزال أطلال قرطاج تجذب الزوّار من كل أنحاء العالم، بفضل ما تحمله من شواهد تاريخية تجمع بين الفن، والقوة، والتعدد الثقافي. المشي بين أعمدتها ومسارحها وحمّاماتها هو بمثابة عبور عبر الزمن، حيث تختلط الأساطير بالتاريخ، وتنبض الأحجار بصدى حضارات لا تزال حاضرة رغم الغياب.

بداية فينيقية وتألق قرطاجي

تأسست قرطاج في القرن التاسع قبل الميلاد على يد الفينيقيين القادمين من مدينة صور، وكانت موقعًا استراتيجيًا بفضل موقعها البحري المميز. سرعان ما تحولت إلى قوة بحرية واقتصادية هائلة، مما أثار قلق روما وأشعل الصراع الشهير بين القوتين: الحروب البونية. ورغم أن المدينة دُمّرت في نهاية الحرب الثالثة عام 146 ق.م، فإن إرثها الحضاري لم يُمحَ، بل بقي محفورًا في ذاكرة الشعوب. زعيمها الأشهر، حنبعل، لا يزال يُذكر في كتب التاريخ كأحد أعظم القادة العسكريين، وأسطورته جزء لا يتجزأ من هوية قرطاج القديمة.

الحقبة الرومانية وبصمة المعمار

بعد أن أعاد الرومان بناء المدينة، تحولت قرطاج إلى واحدة من أهم العواصم في إفريقيا الرومانية. ومن أبرز ما تركه الرومان فيها: المسرح الروماني الذي لا يزال يُستخدم للعروض حتى اليوم، والحمامات الأنتونية التي تُعد من أكبر الحمامات الرومانية خارج روما، وقد بُنيت بأسلوب معماري فخم يعكس قوة الإمبراطورية آنذاك. كما تنتشر بقايا المعابد، والمنازل، والطرق المرصوفة، التي تعكس حياة اجتماعية غنية وتنظيمًا مدنيًا متقدمًا. ومع كل زاوية في هذا الموقع، يكتشف الزائر ملامح لحضارة جمعت بين الانضباط العسكري والرقي الفني.

زيارتك إلى قرطاج: بين التاريخ والطبيعة

قرطاج اليوم ليست مجرد موقع أثري، بل هي تجربة ثقافية وروحية متكاملة. تقع على تلال مطلة على البحر، ويحيط بها جمال طبيعي يُضفي على الزيارة بُعدًا بصريًا خاصًا. بإمكان الزائر أن يبدأ جولته من المسرح الروماني، ثم يتنقل بين الآثار المتناثرة مثل حيّ المنازل الرومانية، وكاتدرائية القديس لويس، ومتحف قرطاج الوطني الذي يعرض قطعًا أثرية نادرة تُكمل الصورة الذهنية للماضي العريق. والأجمل أن هذه الرحلة يمكن أن تمتد إلى قرى ساحلية مجاورة مثل سيدي بوسعيد، لتجمع الرحلة بين عبق التاريخ وسحر الحاضر.

قرطاج ليست مجرد آثار جامدة، بل هي صفحات مفتوحة من كتاب الحضارة المتوسطية، تنطق بالحكمة والصراع والإبداع. إنها دعوة للتأمل في مسيرة البشر، وكيف يمكن لمكان واحد أن يختصر آلاف السنين من التفاعل بين الشعوب والثقافات. كل حجر فيها له قصة، وكل زاوية تختزن لحظة من لحظات المجد. لمن يبحث عن وجهة تعلّمه قبل أن تُبهِره، وتُلهِمه قبل أن تُمتعه، فإن قرطاج هي الاختيار المثالي.

اشترك في قناة سائح على واتس آب لجولات حول العالم