قلعة عجلون: حصن أيّوبي شامخ يروي حكايات التاريخ والطبيعة

  • تاريخ النشر: الإثنين، 29 سبتمبر 2025 زمن القراءة: 3 دقائق قراءة
قلعة عجلون: حصن أيّوبي شامخ يروي حكايات التاريخ والطبيعة

على قمة تلة خضراء في شمال الأردن، تتربع قلعة عجلون الأيوبية كواحدة من أهم القلاع الإسلامية في بلاد الشام، حاملةً إرثًا عسكريًا ومعماريًا يعود إلى أكثر من ثمانية قرون. هذه القلعة، التي شُيّدت عام 1184م في عهد القائد الأيوبي عز الدين أسامة بن منقذ بتوجيه من صلاح الدين الأيوبي، لم تكن مجرد حصن دفاعي، بل كانت مركزًا استراتيجيًا هدفه حماية طرق التجارة والسيطرة على المناجم والرد على الأطماع الصليبية. اليوم، تشكل القلعة مقصدًا للزائرين الذين يبحثون عن مزيج من التاريخ والطبيعة والمغامرة، حيث تمتزج الحجارة القديمة برائحة الصنوبر والبلوط المنتشرة في محيطها.

عبقرية بناء يواكب استراتيجيات الدفاع

تميزت قلعة عجلون بتصميم معماري ذكي يلبي احتياجات الدفاع في العصور الوسطى، إذ بُنيت في موقع مرتفع يُطل على وادي الأردن والطرق المؤدية إلى سوريا وفلسطين. احتوت القلعة في نسختها الأولى على أربعة أبراج دفاعية، وجدران سميكة مجهزة بفتحات للسهام، إضافة إلى خندق عميق كان يشكل حاجزًا طبيعيًا أمام الهجمات. في عام 1215م، أُضيف برج خامس لتعزيز الحماية من الجهة الجنوبية الشرقية، ورُممت أجزاء أخرى لتصبح أكثر قدرة على الصمود. كما شهدت القلعة لاحقًا توسعات وترميمات في عهد الأيوبيين والمماليك، خاصةً بعد تعرضها لأضرار من الغزوات الزلزالية والمغولية. حتى اليوم، لا تزال الأقواس الحجرية والبوابات العالية تعكس عبقرية البنائين الأوائل، فيما تحافظ بعض النقوش والزخارف على شواهد العهد الذي بنيت فيه.

قيمة استراتيجية وحضور سياسي وديني

لم تكن قلعة عجلون مجرد حصن عسكري، بل لعبت دورًا مهمًا في حفظ الأمن وتنظيم الاتصالات بين دمشق والقاهرة والمدن الداخلية. لقد مكنت القلعة قوات صلاح الدين الأيوبي من مراقبة تحركات الصليبيين ومنعهم من التوسع شرقًا، كما ساهمت في تأمين خطوط التموين وتحريك الجيوش بسرعة عبر شبكة دفاعية مترابطة. كانت القلعة أيضًا مركزًا إداريًا يشرف على مناجم الحديد في المنطقة، وهو معدن بالغ الأهمية في صناعة الأسلحة في تلك الحقبة. ومع انتقال السيطرة إلى المماليك، واصلت القلعة أداء دورها، حيث أشرف السلطان الظاهر بيبرس على إعادة إعمارها بعد تخريب المغول. هذا الامتداد الزمني للوظيفة الدفاعية والسياسية جعل القلعة رمزًا للسيادة الإسلامية والمقاومة في وجه القوى الغازية.

تجربة الزائر: لقاء بين التاريخ والطبيعة

اليوم، أصبحت قلعة عجلون وجهة سياحية تجمع بين جمال الطبيعة وسحر التاريخ، خاصة وأنها تقع ضمن منطقة غابات كثيفة مثل غابات دبين وعجلون. الطريق المؤدي إلى القلعة يمر بتلال خضراء وقرى ريفية تمنح الزائر لمحة عن الحياة الأردنية التقليدية. عند الوصول، يمكن التجول داخل أروقة القلعة لاكتشاف الأبراج والدهاليز والغرف الحجرية التي كانت تُستخدم كمخازن وسكن للجنود وحلقات مراقبة. الإطلالة من أعلى البرج الشمالي الشرقي تمنح مشهدًا بانوراميًا يمتد حتى وادي الأردن والجبال الغربية، ما يجعلها نقطة تصوير مفضلة. إضافة إلى ذلك، تُقام أحيانًا فعاليات ثقافية وتراثية داخل القلعة، تشمل عروضًا فلكلورية وأمسيات تاريخية تُعيد الزائر إلى أجواء القرون الوسطى. كما يُنصح بدمج زيارة القلعة مع رحلات طبيعية في المحميات المجاورة أو تناول وجبة محلية في أحد المطاعم الريفية المحيطة.

في النهاية، تظل قلعة عجلون الأيوبية شاهدًا حيًا على ماضٍ زاخر بمعاني القوة والحكمة والوعي الاستراتيجي، وفي الوقت نفسه بوابة إلى تجربة سياحية متكاملة تتخطى حدود الزمن. هي ليست فقط بناءً حجريًا من القرون الوسطى، بل قصة تتنفسها الجدران والممرات والهواء النقي الذي يلفها. لكل من يبحث عن رحلة تعيد وصل الحاضر بالماضي، وتجمع بين سكون الطبيعة وصلابة التاريخ، فإن قلعة عجلون تقدم صورة متكاملة تستحق الاكتشاف والتأمل.

اشترك في قناة سائح على واتس آب لجولات حول العالم