إثيوبيا: مهد القهوة وتقاليدها الأصيلة في قلب إفريقيا

  • تاريخ النشر: الخميس، 19 يونيو 2025 زمن القراءة: دقيقتين قراءة
إثيوبيا: مهد القهوة وتقاليدها الأصيلة في قلب إفريقيا

حين نذكر القهوة، يتبادر إلى الأذهان مشروب دافئ يحمل في رائحته عبق الصباح وروح اللقاءات، ولكن قلّ من يعرف أن جذور هذا المشروب العريق تعود إلى مكان واحد في العالم: إثيوبيا. تقع هذه الدولة في شرق إفريقيا، وتُعد من أقدم الحضارات الإنسانية، إلا أن شهرتها الحديثة ترتبط بكونها الموطن الأصلي لنبتة البن العربي. هنا، لا تُعتبر القهوة مجرد شراب صباحي، بل جزءًا من الهوية والثقافة اليومية، وعلامة على الكرم والتقاليد العريقة التي تُمارس منذ قرون. فكل فنجان قهوة في إثيوبيا يروي قصة تراثية، بدءًا من زراعتها في الجبال الخضراء، وحتى طقوس تقديمها في البيوت.

القهوة في إثيوبيا: قصة منشأ وتاريخ

تُعتبر إثيوبيا البلد الأول الذي اكتُشفت فيه نبتة البن، ويُقال إن راعيًا يُدعى "كالدي" لاحظ أن ماشيته تنشط بعد تناولها ثمارًا حمراء من شجرة معينة، ومن هنا بدأت رحلة القهوة إلى العالم. تنتشر زراعة البن في مرتفعات إثيوبيا، خاصة في مناطق مثل "كافا" (التي يُقال إن اسم "قهوة – Coffee" مشتق منها)، و"هرار"، و"سيدامو"، و"ييغا شيفي"، وكل منطقة تمنح القهوة نكهة مختلفة تبعًا للتربة والمناخ. لا يتم استخدام طرق الزراعة الصناعية على نطاق واسع، بل تُزرع القهوة في مزارع صغيرة تعتمد على الأمطار الموسمية، ما يمنحها طابعًا عضويًا فريدًا. ويشتهر البن الإثيوبي بطعمه الزهري أو الفاكهي، ورائحته العطرية المميزة، ويُعد من الأعلى جودة في الأسواق العالمية.

طقوس القهوة: أكثر من مجرد مشروب

في إثيوبيا، القهوة ليست مجرد عادة يومية، بل تقليد اجتماعي وثقافي يُعرف بـ "جلسة القهوة الإثيوبية"، وهي طقس يُمارس بحضور العائلة أو الضيوف. تبدأ الجلسة بتحميص الحبوب الخضراء على النار أمام الحاضرين، ثم طحنها يدويًا باستخدام مطحنة تقليدية، وغليها في إبريق خاص يُسمى "جبنة". تُقدّم القهوة في ثلاث جولات متتالية، كل واحدة منها ترمز إلى معنى: الأولى للسلام، الثانية للبركة، والثالثة للوفاء أو الوداع. يترافق ذلك مع تقديم الفشار أو خبز مسطح، ويُشعل البخور لتعطير الأجواء. إن حضور جلسة قهوة في بيت إثيوبي يُشبه الدخول في طقس روحي يُعبّر عن الضيافة الحقيقية، ويعكس التقدير للضيف والمجتمع.

القهوة في الاقتصاد والثقافة الحديثة

لا تزال القهوة تُشكّل جزءًا أساسيًا من الاقتصاد الإثيوبي، حيث تُعد واحدة من أبرز صادرات البلاد. يعتمد الملايين على زراعتها، وتُقام مهرجانات محلية ودولية للاحتفال بها، كما توجد في المدن الإثيوبية مقاهٍ حديثة تجمع بين التقاليد والابتكار، ما يربط الأجيال الجديدة بموروثهم الثقافي. حتى في الأدب والموسيقى والفنون، تظهر القهوة كرمز للهوية الوطنية والفخر الشعبي، وتبقى تمثّل روح إثيوبيا القديمة والحديثة على السواء.

إن زيارة إثيوبيا ليست فقط تجربة سياحية، بل رحلة نحو جذور واحدة من أعظم الهدايا التي قدّمتها إفريقيا للعالم: القهوة. فهنا، تلتقي الطبيعة البِكر بالتقاليد الحيّة، وتتحوّل كل رشفة إلى لحظة تأمل في تاريخ طويل من العطاء الثقافي. وبين جبالها الخضراء وأكواخها البسيطة، تعيش القهوة الإثيوبية كرمز للتواصل، الدفء، والانتماء. إنها ليست مشروبًا فقط، بل حكاية لا تنتهي من الحب، والأرض، والإنسان.

اشترك في قناة سائح على واتس آب لجولات حول العالم