رحلة إلى الماضي: استكشاف المدن الرومانية في تونس

  • تاريخ النشر: الخميس، 31 يوليو 2025 زمن القراءة: 3 دقائق قراءة
رحلة إلى الماضي: استكشاف المدن الرومانية في تونس

تزخر تونس بتراث تاريخي فريد يروي حكايات حضارات عظيمة تركت بصمتها على المعمار والثقافة والهوية. ومن أبرز هذه الحضارات، الإمبراطورية الرومانية التي خلّفت إرثًا هائلًا من المدن والآثار، لا تزال شاهدة حتى اليوم على عبقرية الرومان في التصميم والهندسة. مدينتا "الجم" و"دوغة" تمثلان نموذجين رائعين للمدن الرومانية التي احتفظت بجمالها وأصالتها، وتدعوان الزائر لخوض تجربة تأملية عبر الزمن، حيث تمتزج الحجارة الصامتة بحكايات المجد والإبداع الإنساني. زيارة هذه المدن ليست مجرد رحلة سياحية، بل غوص في أعماق التاريخ المتجسد في المدرجات والمعابد والشوارع المرصوفة.

الجم: المدرج الروماني الذي يضاهي الكولوسيوم

تقع مدينة الجم في وسط تونس، وتُعرف بمدرجها الروماني الشهير الذي يُعد واحدًا من أفضل المدرجات الرومانية المحفوظة في العالم. بُني هذا المدرج في القرن الثالث الميلادي، ويتسع لحوالي 35 ألف متفرج، ما يجعله ثالث أكبر مدرج روماني بعد الكولوسيوم في روما ومدرج كابوا. ما يميز مدرج الجم هو حالته الرائعة من الحفظ، إذ يمكن للزائر أن يتجول بين طوابقه المختلفة ويصعد إلى أعلاه ليشاهد بانوراما ساحرة للمدينة القديمة. المدرج لم يكن مجرد ساحة للقتال بين المصارعين، بل كان مركزًا للحياة الاجتماعية والترفيهية في العهد الروماني. واليوم، يستضيف المكان حفلات موسيقية ومهرجانات، ليعيد إحياء طاقته التاريخية بروح عصرية. إن الوقوف في قلب هذا المدرج يمنحك شعورًا عميقًا بالرهبة، ويجعلك تدرك مدى التقدّم الذي بلغه الرومان في فن العمارة والهندسة.

دوغة: مدينة رومانية تزهر على سفوح الشمال

على بعد حوالي 100 كيلومتر جنوب غرب العاصمة تونس، تقع مدينة دوغة، واحدة من أكثر المواقع الأثرية الرومانية سحرًا وأناقة. يحيط بها مشهد طبيعي أخّاذ من التلال الخضراء والحقول، مما يجعل زيارتها تجربة بصرية وروحية مميزة. كانت دوغة مدينة مزدهرة في العصر الروماني، وقد لعبت دورًا مهمًا في الشبكة التجارية والثقافية في شمال إفريقيا. اليوم، لا تزال أطلالها تضم بقايا معابد، ومسرح روماني صغير، وساحة عمومية، وأقواس نصر، وحمامات عامة، جميعها تعكس أسلوب الحياة الروماني بكل تفاصيله. المشي في شوارعها المرصوفة بالحجارة يمنح الزائر فرصة للتخيّل الحيّ لكيفية عيش الرومان: من الاجتماعات العامة إلى طقوس العبادة، ومن النقاشات الفلسفية في الساحات إلى العروض المسرحية. دوغة ليست مجرد موقع أثري؛ إنها متحف مفتوح للطبيعة والتاريخ.

المدن الرومانية في تونس: حوار مفتوح بين الحاضر والماضي

ما يميز المدن الرومانية مثل الجم ودوغة هو قدرتها على الجمع بين الجمال التاريخي والوظيفة السياحية الحديثة، فهي ليست مجرد أطلال صامتة، بل منصات لحوار مفتوح بين الماضي والحاضر. زيارة هذه المواقع تمنح السائح العربي والأجنبي فرصة لفهم عمق العلاقة بين تونس والرومان، وكيف ساهم هذا الإرث في تشكيل الهوية العمرانية والثقافية للبلاد. كما تتيح هذه المدن مساحة للتأمل والتعلم، إذ يستطيع الزائر استشعار التوازن بين الدقة الهندسية والفن، وبين القوّة الروحية للمعابد والحميمية الاجتماعية في المسارح والساحات. إن الاستثمار في هذه المواقع، سواء على مستوى الترميم أو الترويج السياحي، يمثل خطوة مهمة نحو تثمين الإرث المشترك للإنسانية، وإبراز دور شمال إفريقيا في التاريخ الروماني.

بين الأعمدة الرخامية والمدرجات الحجرية، وبين ظلال الماضي وصوت الحاضر، تبقى مدن مثل الجم ودوغة دليلًا حيًا على عبقرية الرومان وثراء تونس الثقافي. إنها أماكن لا تُكتفى بزيارتها، بل تُعاش، وتُحفر في الذاكرة كصفحات من التاريخ المفتوح. فكل زاوية فيها تحمل قصة، وكل نقش على جدار يخبر عن حضارة لم تنطفئ، بل ما زالت تلهم العالم بجمالها وخلودها.

اشترك في قناة سائح على واتس آب لجولات حول العالم