عادات الشعوب في الأكل... بين الطرافة والدهشة

  • تاريخ النشر: الثلاثاء، 12 أغسطس 2025 زمن القراءة: 3 دقائق قراءة
عادات الشعوب في الأكل... بين الطرافة والدهشة

الطعام ليس فقط وسيلة للبقاء، بل هو مرآة تعكس ثقافة الشعوب وتقاليدها وأسلوب حياتها اليومي. وبينما يشترك البشر في الحاجة للأكل، تختلف طرقهم في تحضير وتناول الطعام بشكل لافت، بل وغريب أحيانًا. من أعواد الطعام في آسيا إلى تناول الطعام باليد في إفريقيا، ومن عادات الضيافة في الشرق الأوسط إلى التقاليد الصارمة في الطاولة الأوروبية، تكشف لنا هذه العادات عن تنوع مذهل يجعل تجربة السفر أكثر ثراءً ودهشة. بعض هذه العادات قد تبدو طريفة للزائر، وأخرى تثير فضوله أو حتى صدمته، لكنها في النهاية تحمل طابعًا فريدًا يعبر عن روح المكان وسكانه.

بين الأصابع والعيدان... أدوات الأكل كرمز ثقافي

في كثير من البلدان، لا تكمن العادة في نوع الطعام فقط، بل في الطريقة التي يتم تناوله بها. في الصين واليابان وكوريا، تُستخدم أعواد الطعام (الهاشي) التي تتطلب مهارة وممارسة، وهي رمز للتهذيب والدقة. على الجانب الآخر، في دول إفريقية عديدة مثل إثيوبيا، يُعد الأكل باليد جزءًا من تجربة الطعام الكاملة، ورفضه قد يُعتبر تقليلًا من شأن المائدة. أما في الهند، فهناك قواعد دقيقة لأكل الطعام باليد اليمنى فقط، إذ تُعتبر اليد اليسرى "غير نظيفة" في السياق الثقافي. وفي الدول الغربية، تشكل أدوات الطعام جزءًا من "إتيكيت" المائدة، مع قواعد تفصيلية لكيفية حمل الشوكة والسكين ومتى تُستخدم كل أداة، مما يُظهر مدى اختلاف الخلفيات الثقافية حول أمر بسيط كتناول الطعام.

عادات قد تصدمك أول مرة

بعض عادات الأكل حول العالم تثير الدهشة وربما الاستغراب في البداية. في اليابان، يُعتبر إصدار صوت عند تناول المعكرونة (مثل السلوْرب) علامة على الاستمتاع بالطعام وليس قلة تهذيب. أما في الصين، فإن ترك القليل من الطعام في الطبق يدل على الشبع والكرم من المضيف، بينما في ثقافات أخرى يُعتبر عدم إنهاء الطبق إهانة للطباخ. في منغوليا، تُقدم مشروبات مثل حليب الفرس المخمّر، وهو أمر قد يصعب تقبّله لدى كثير من الزوار. وفي أيسلندا، يُعد تناول لحم سمك القرش المُخمّر تقليدًا، رغم أن رائحته ونكهته تُعد من بين الأكثر غرابة في العالم. هذه التفاصيل، رغم طرافتها أو صعوبتها، تعبّر بعمق عن العلاقة بين الإنسان وبيئته وتاريخه.

الضيافة... طعام بروح كريمة

من أكثر ما يلفت الانتباه في عادات الطعام هو الطابع الاجتماعي الذي يرافقه. في العالم العربي مثلًا، تُعد المائدة رمزًا للكرم، ويُتوقع من الضيف أن يتناول أكثر من صنف، بل وألا يرفض الدعوة بسهولة. في تركيا، يُقدَّم الشاي بعد الطعام كعلامة على الترحيب، وفي جورجيا، تُرافق وجبات الطعام طقوس طويلة من الخُطب والنُخب التي تدل على احترام الضيف. في إثيوبيا، توجد عادة تُعرف باسم "غُورشا"، وهي أن تُطعم الشخص الآخر بيدك، في دلالة على الصداقة والمودة. بينما في بعض المناطق الأوروبية، يُعد رفض طبق معين أمرًا طبيعيًا ولا يُؤخذ على محمل شخصي، ما يوضح الفارق بين ثقافات تعتبر مشاركة الطعام أمرًا حميميًا وأخرى تراها مسألة تفضيل شخصي بحت.

عادات الأكل قد تكون غريبة، لكنها دائمًا ممتعة وتحمل في طياتها قصصًا وملامح من حياة الناس في أماكنهم المختلفة. كل طريقة في تقديم الطعام، وكل طقس مرافق لتناوله، هو انعكاس لعلاقة الناس بماضيهم وببعضهم البعض. ومن خلال هذه العادات، نستطيع أن نلمس الفرق بين الشعوب دون حاجة للكلمات. فالأكل، في جوهره، لغة عالمية توحد البشر رغم اختلاف تفاصيلها، وتمنحنا فرصة نادرة لنعيش لحظات من الدهشة والضحك والتأمل ونحن نتذوق العالم بطرق غير متوقعة.

اشترك في قناة سائح على واتس آب لجولات حول العالم