جولة في السوق الكبير بإسطنبول: أين تأكل وماذا تشتري؟

يُعدّ السوق الكبير "Grand Bazaar" في إسطنبول أحد أقدم وأشهر الأسواق المسقوفة في العالم، ووجهة أساسية لكل من يزور المدينة، سواء بهدف التسوق أو لاكتشاف روحها النابضة بالتاريخ. هذا السوق الضخم، الذي تأسس في القرن الخامس عشر في عهد السلطان محمد الفاتح، يمتد اليوم على مساحة واسعة تضم آلاف المتاجر التي تبيع كل ما يمكن تخيله من سلع، بدءًا من المجوهرات والسجاد اليدوي وصولًا إلى التوابل والمنتجات الجلدية. ولكن ما يميّز السوق أكثر هو أنه ليس مجرد مكان للتجارة، بل عالم كامل ينبض بالحياة والتفاصيل، حيث تختلط فيه الروائح والألوان والأصوات في مشهد تركي أصيل يجذب ملايين الزوار سنويًا.

تجربة تسوق لا تُنسى بين الممرات العتيقة

يُقال إن التجول في السوق الكبير يشبه الدخول إلى متاهة من التاريخ، فالممرات الضيقة والمظللة تأخذك من قسم إلى آخر، وكل زاوية تحمل قصة مختلفة. يتكوّن السوق من أكثر من 60 شارعًا داخليًا، تضم ما يزيد عن أربعة آلاف متجر صغير، يُديرها حرفيون مهرة ورثة لمهن تقليدية توارثتها الأجيال. في أحد الأركان، يمكن للزائر أن يشاهد صانع السجاد وهو ينسج خيوط الحرير بألوان زاهية، بينما في زاوية أخرى يُعرض النحاس المشغول بدقة مذهلة. المساومة جزء لا يتجزأ من التجربة، وهي فن بحد ذاته في ثقافة السوق، إذ يُتوقع من الزبون أن يفاوض التاجر بأسلوب لبق، وغالبًا ما يتحول النقاش إلى حوار ودي ممزوج بروح الدعابة التركية. هنا لا تُشترى البضائع فقط، بل تُقتنى ذكريات ولقاءات تبقى عالقة في الذهن طويلاً.

مأكولات تقليدية وسط الأجواء الشرقية

بعد جولة طويلة بين المحلات، لا يمكن مقاومة روائح الطعام التي تتسلل من المقاهي والمطاعم الصغيرة المنتشرة بين أروقة السوق. من أشهر الأطباق التي يمكن تذوقها هناك الكباب التركي الشهير، ولفائف الدونر اللذيذة، بالإضافة إلى المعجنات الطازجة مثل السميت والبوريك. لمحبي الحلويات، لا بد من تجربة البقلاوة التركية التي تُحضّر بطبقات رقيقة من العجين المحشو بالفستق أو الجوز، وتُقدَّم مع الشاي التركي التقليدي في أكواب زجاجية صغيرة. كما تنتشر محلات القهوة التركية، التي تُحضّر على الرمل وتُقدَّم بنكهة غنية لا مثيل لها. تناول وجبة أو كوب قهوة في قلب هذا السوق يمنح إحساسًا بعبق الماضي، وكأنك تشارك في مشهد حي من تاريخ إسطنبول التجاري والثقافي.

ماذا تشتري من السوق الكبير؟

خيارات التسوق هنا تكاد تكون بلا حدود، لكن هناك منتجات بعينها تُعد من رموز السوق. السجاد اليدوي، وخاصة المصنوع من الحرير أو الصوف الطبيعي، يُعتبر من أبرز المقتنيات وأكثرها قيمة. كما تُعد المصوغات الفضية والذهبية من الهدايا الفاخرة التي تجذب الزوار، إلى جانب التحف النحاسية والمصابيح الشرقية التي تضيء كل زاوية من المتاجر بألوانها الدافئة. لا يمكن أيضًا تجاهل التوابل والعطور التركية، مثل الزعفران والفلفل الأحمر وماء الورد، التي تعبّر عن المذاق الحقيقي للمطبخ التركي. بعض المتاجر تقدم أيضًا السيراميك العثماني المزخرف يدويًا، وهو تذكار أنيق يخلّد لحظات الزيارة.

في نهاية الجولة، يدرك الزائر أن السوق الكبير  ليس مجرد سوق تقليدي، بل مساحة ثقافية وتجارية تمثل روح إسطنبول القديمة. بين ضجيج الباعة، وعبق التوابل، ولمعان المعادن المصقولة، يجد كل زائر شيئًا يربطه بالمكان، سواء كان قطعة فنية صغيرة أو لحظة سعادة صادقة. إنه المكان الذي تتجسد فيه حكاية المدينة بين الماضي والحاضر، وتنبض فيه الحياة ببطء جميل يجعل من كل خطوة مغامرة تستحق أن تُعاش.